“الحق في الاتصال”.. رسالة جديدة للمصور الصحفي “شوكان” من داخل محبسه

أرسل المصور الصحفي، بوكالة “ديموتكس” الإخبارية، محمود أبوزيد – الشهير بـ”#شوكان”، الأحد 24 سبتمبر 2017، رسالة جديدة من محبسه بسجن طره، نُشرت على موقع “مدى مصر”، بعنوان “الحق في الاتصال”.
وإلى نص الرسالة:
“نظرًا لكوني في المعتقل؛ فأعتذر إليك سيدي القارئ أن تكون افتتاحية هذا المقال دون توثيق للمعلومات -أي سرد للتفاصيل- لكنها تبقى معلومات صحيحة.
تكفل جملة دساتير العالم حقوق المرء وواجباته، وتنظم علاقته بالسلطة والمجتمع. أما الحقوق فتتمثل في التالي:
الحق في الحياة، الحق في التعليم، الحق في التعبير، الحق في الاتصال… إلخ، من حقوق وواجبات.
موضوع حديثي هنا هو “الحق في الاتصال والتراسل”. وأما في المحروسة فلا شيء في ديباجة الدستور يهم سوى مادة واحدة، وكأن الدستور خلق لها ولا يعني شيئًا سواها؛ ألا وهي مادة “الفترة الرئاسية”، فالجميع يلقي بالدستور ومواده عرض الحائط، بدءًا من السادة المستشارين وانتهاءً بعامل النظافة. فلا قوانين ولا حقوق ولا واجبات.. كلٌ في عزبته، وهنا يسود قانون الغاب ويستشري الفساد وتضيع الحقوق.
وهنا أذكر الواقعة الشهيرة للرئيس السادات وقتما عدّل هذه المادة -والتي لم ينعم بها بعد اغتياله على أيدي المتأسلمين- بمد الفترة الرئاسية لعدد غير نهائي، ليجيء الرئيس مبارك وينعم هو بهذا التعديل ويمكث في الحكم 30 عامًا، تكون سببًا في ثورة 25 يناير.
لتتجدد المطالب من قِبَل النواب بإثارة نفس الموضوع في الآونة اﻷخيرة. وكأن المجلس أتم مواده المكملة للدستور، وكأن المحروسة لبت كل مطالب الشعب، فلم يبق حديثًا سوى هذا الحديث وهذه المادة. فلا محليات تهم ولا مجتمع مدني ولا مظاليم “عفنوا” في السجن بسبب قانون الحبس الاحتياطي “اللعين”.
كل ما يهم الشعب لا يهم.. وهكذا تظل الدولة حريصة على شكلها أمام العالم وأمام ملح اﻷرض؛ على أن هناك قانونًا ودستورًا. إذًا هي الصورة.. صورة انعقاد لجلسات البرلمان ودوائر المحاكم والشرطة على الطريق، أما فلسفة عمل كل هذا “شُرُم بُرُم”.
بالنسبة لحق الحياة غير ملموس؛ وأبسط مثال على ذلك مركز مصر اﻷول على مستوى العالم في حوادث الطرق وموت الناس.
أما حق التعبير؛ فتنال مصر مركزًا متقدمًا على مستوى العالم في حبس الصحفيين -بغض النظر عن تصريحات عبدالمحسن سلامة وضياء رشوان، أنه لا يوجد صحفيين معتقلين، وأن جميع من في المعتقل على ذمة قضايا ]جنائية[، وهذه كارثة أكبر من النظام اتهامه للصحفيين بتهم القتل وغيرها- وحبس المعارضين والمنتقدين والتنكيل بهم.
وكذا الحق في التعليم؛ فنجد جامعات المحروسة وترتيبها في المراكز المتقدمة عالميًا لكن من”تحت”!
واسمح لي عزيزي القارئ أن أستدعي مصطلح الكاتب والروائي العبقري علاء اﻷسواني، وهو دولة “كأن”! “فكأن” هناك دستورًا، و”كأن” هناك قانونًا، و”كأن” هناك تعليمًا، و”كأن” هناك طرقات ومحاكمًا وحقوقًا وواجبات، بل “كأن” هناك دولة!
وأسست الدولة محصورة في إطار “الصورة” -السطح- وينعدم العمق في أي مجال وفي أي تخطيط أو رؤى مستقبلية -على الرغم من الجهود الحثيثة لدفع العجلة إلى اﻷمام-.. فتم تشييد مشاريع عملاقة ولكن لم نفكر في كيفية عمل تلك المشاريع أو جعلها في حالة تصاعد مستدام. ﻷن ما يعنينا هو الصورة.. هو “كأن”.. ولم نفكر في اﻷولويات.
بعد هالة الإحباط السابقة، سأبدي الرأي في الحق في الاتصال والتراسل، وكما ذكرنا أنه حق مكفول دستوريًا. لعل “كأن” تضفي لمساتها على الاقتراح ويطبق ولو بصورة “كأن”!
ذهبت الدول الاسكندنافية ﻷبعد من ذلك، فحق الاتصال هناك تطور ليصبح شكله النهائي في الحق في الإنترنت، فالإنترنت هناك حق يكفله الدستور ويلزم الدولة توفيره لجميع مواطنيها قبيل دفع جزء من الضرائب “زيادة” على تلك المقررة عليه.
أما هنا فالحق في الاتصال تحتكره شركات المحمول الكبرى وتستنزف المواطنين بأسعار تكلفة المكالمات والخدمات “المرتفعة”.. وهي لا ترتقي لمستوى الخدمات الراقية، ناهيك عن سوء الشبكات وعدم التغطية الجيدة على مستوى البر، كما أنها لا تساهم في بناء وتطور المجتمع بإنشاء المدارس أو برامج تنموية أو منح دراسية.. إلخ، بل هي مترصدة لجيب المواطن -جيب الشعب- جيبه فقط!
هذا الحق الدستوري غير موجود بالمرة داخل السجون المصرية، التي تفوق أعدادها أضعاف أضعاف أضعاف عدد الجامعات.
فإذا عُثر على تليفون في الزنزانة -أثناء زيارات المباحث الصباحية والمسائية “الكبسة” وما يتبعها من إهانة وسرقة للمتعلقات ولخبطة الزنزانة وجعلها ركامًا على أيدي المخبرين- فأنت هنا ارتكبت جرمًا عظيمًا. وكأنك سرقت أو وجد بحوزتك كمية من المخدرات، أما المدهش أن حالات السرقة والمخدرات تكون عقوبتها التأديبية أقل من “التليفون”، كما أنها في نظر ضباط المباحث أهون بكثير من أن يعثر على هاتف محمول في “عنبر سياسي”، عندئذ يتم الزج بك في ثقب أسود دون ماء أو هواء سوى منفذ بسيط يبقيك على قيد الحياة، ولا حمام، وتفترش اﻷرض وتتسخ ملابسك، وتصبح جزءًا من هذه الزنزانة، فإذا كنت في الصيف فستموت حَرًا وإذا كنت في الشتاء فستموت بردًا. فالعقوبة هنا هي حرمان الإنسان من إنسانيته وتجريده من كل حقوقه ونزع كرامته.
في بداية اﻷمر “عام 2013″، كانت عقوبة الهاتف المحمول يوم تأديب وحرمان من الزيارة العائلية 3 أيام، ثم غلظت العقوبة لـ3 أيام وحرمان من الزيارة أسبوع، ثم غلظت لتصبح شهر مع حرمان من الزيارة شهر وبضعة أيام، ولا نعلم إلى أي مدى سيذهب تغليظ العقوبة.
يلعب المعتقلون السياسيون لعبة “استغماية” أو Hide & seek في السجن، فلاحظت أنه من المستحيل خضوعهم والتوقف عن جلب هواتف محمولة أو تهريبها على الرغم من العقوبة المشددة المقررة. بل على العكس هناك تناسب طردي بين زيادة نسبة العقوبة وزيادة نسبة الهواتف.. ببساطة ﻷنه حق ولا يمكن التنازل عنه ولا عن التواصل والاطمئنان على اﻷهل والعكس.
وعند سؤالي واستفساري ﻷحد الضباط بالسجن عن سبب النظرة الدونية والعقوبة المغلظة للهواتف أجاب: أن الخطر واقع في تواجد الهاتف بيد إرهابي خطير، فهذه الوسيلة تمكنه من تنسيق عملية هروب أو إدارة عملية إرهابية من داخل السجن، وهو محق، ولكن ما ذنب من هو مظلوم أو مش إرهابي؟ إضافة إلى أناس لا تستطيع أهليتهم المجيء للسجن لرؤية ذويهم نظرًا لظروف صحية أو اقتصادية.
ففي السجن الجميع في خانة واحدة من الجزاء والعقاب ولا فرق بين إرهابي أو سياسي أو صحفي أو مجرم، الكل يُعامَل بإهانة وتجاوز وإفراط في المعاملة السيئة، إلا إذا حالفك الحظ وكان من دائرة معارفك لواء أو مدير أمن أو ضابط، أو كنت تحمل جنسية أجنبية.
وزيادة العقوبة والتعامل السيئ هنا غير مبرر على الإطلاق. فهو يغذي شحنات سلبية. خاصة مع طول أمد التقاضي واليأس والإحباط والانتهاكات والتعذيب. وهكذا، بدلًا من أن تحارب الدولة الإرهاب تغذيه في السجون.
لا أعرف إلى متى سيتعاطى العقل المصري مع المشكلات من منطق (الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح)!.
أما اقتراحي فهو التقنين؛ فبما أن الاتصال هو حق يكفله الدستور، فلماذا لا تسمح إدارة السجن -ويعمم ذلك على جميع السجون- بتركيب كبائن للهواتف لتلبية حاجة الاتصال والتواصل والتراسل؟.
وتكون هناك مراقبة على تلك الخطوط ويتم وضع تسعيرة مُرضيّة، وهو ما سيعود بالنفع لإدارة السجون وشركة الاتصالات الوطنية من كم الاتصالات الهائل داخل السجون.
وبذلك تتوقف عملية تهريب الهواتف المحمولة، وتتوقف لعبة “الاستغماية”. وكذا أيضًا يتوقف التعذيب والانتهاك داخل السجون بسبب الهواتف، وستكون إضافة مجزية في ملف حقوق الإنسان بوزارة الداخلية التي هي في حاجة ماسة للعمل بشكل جاد في هذا الملف والتفكير خارج الصندوق، ونكون بذلك قد أرضينا جميع اﻷطراف.. أمنيًا وحقوقيًا وإنسانيًا”.
يذكر أن قوات الأمن، ألقت القبض على “شوكان”، أثناء تصويره عملية فض اعتصام رابعة العدوية، في أغسطس من عام 2013، ليحبس بعدها احتياطيًا بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، والاشتراك في اعتصام مسلح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق