القلوب التي تخفق حول “شوكان”

تقرير لـ "هافينغتون بوست عربي"

 “ثلاثة أعوام مرت على محمود وراء جدران السجن، وكل يوم يصبح حلمنا في إنصافه أبعد، وأصعب”.

هكذا تحدث شقيق المصور الصحفي المصري محمود أبو زيد “شوكان”، المحبوس منذ أغسطس/آب 2013 على ذمة عدة قضايا، بعد حصوله على الجائزة الدولية لحرية الصحافة لعام 2016. محمد أبو زيد قال لـ”هافينغتون بوست عربي” إن الجائزة تأتي رغم ذلك “مثل شعاع أمل جديد ربما يغير من مجريات البراءة المؤجلة لشقيقه السجين”.

المصورة الصحفية رندا شعث، كانت أول من أطلق نداء استغاثة وتضامن مع شوكان عقب القبض عليه، كما أجرت اتصالات لتوكيل محام له.

تستعيد رندا بحزن ذكرى خبر إلقاء القبض عليه عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس/آب 2013، وصدمتها من استمرار حبسه بدون تهمة.

رندا تتمسك بأمل جديد في أن تلفت الجائزة انتباه المسؤولين لقضيته، “كأن شوكان منفياً ومنسياً من الدولة ولا أهمية له. لا أي صدي لما نفعله من أجله أو المناشدات الحقوقية، وبقاؤه في السجن أكثر من عامين دون تهمة حقيقية هو ظلم بين وجريمة “.

تبتسم رندا شعث، التي أسست وأشرفت على قسم التصوير في صحيفة “الشروق” المصرية، وهي تصف شوكان بالشاب اللطيف الدؤوب، وتقول لـ”هافينغتون بوست عربي“: “كان مصور شاطر، وطلب مني الإشراف على مشروع تخرجه الذي تناول صور الثورة، ومنحته درجة امتياز لما لمسته من مجهود كبير بذله فيه، وحضرت معرضه مع أصدقائه، ورغم أنه عمل جماعي إلا أن شوكان قام بالعمل الأكبر، ويكفي أنه شاب يعمل دون غطاء نقابي بكل همة ولا يحصل على المال إلا لو باع صوره، وهذا معناه مجهود مضاعف”.

تخرج شوكان في أكاديمية أخبار اليوم للإعلام، حصل على تدريب كمحرر صحفي وهو ما زال طالباً في عدة صحف مصرية، أبرزها الأهرام المسائي بالإسكندرية، و”ايجيبت توداي”، قرر العمل كمصور صحفي حر مع وكالات تصوير عالمية مثل corbis، وأخيراً “ديموتكس” منذ أبريل/نيسان 2010 حتى إلقاء القبض عليه أثناء فض اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس 2013.

نُشرت صوره وأعماله على مدار سنوات عمله في عدد من الجرائد العالمية مثل صحيفة “ذا صن” البريطانية، ومجلة “التايم الأميركية”، كما نشرت عدة منظمات حقوقية صوره وأعماله كمنظمة “العفو الدولية”، ومنظمة “آيفكس” الدولية، ومؤشر الرقابة، وفق صحيفة “الغارديان”.

اثنتا عشرة تهمة تواجه شوكان، أبرزها القتل وشروع في القتل والانضمام لجماعة محظورة والاعتصام وتعطيل حركة المرور وكلها تصل عقوباتها للإعدام، إلا أن محاميه كريم عبدالراضي أكد لـ”هافينغتون بوست عربي” أنه يثق بأن شوكان سوف يحصل علي البراءة قريباً.

يقول عبدالراضي “موقف شوكان في القضية واضح ولا يوجد دليل إدانة واحد ضده، ولم يتم العثور على أي أحراز تدينه لأن وجوده في رابعة كان لأداء مهمته كمصور صحفي وقدمنا كل ما يثبت براءته، كما أدلى مصورون أجانب كانوا برفقته شهادات عن سبب وجوده، وسبق أن زاره وفد من الأمن الوطني ووعدوه بإجراء تحريات عنه، الأمر الذي سيغير الوضع بأكمله ويثبت براءته. أما في حال إدانته فسوف نواصل الطعن في كافة درجات التقاضي، لحين حصوله على البراءة”.

كان المصور الفرنسي لويس جايمس والصحفي Mike Giglio مراسل نيوزويك ودايلي بيست وقتها، برفقة شوكان في رابعة لتصوير الأحداث، وتم القبض عليهما أيضاً، لأن الثلاثة كانوا في نفس المنطقة، بحسب شهادة Giglio على ذلك اليوم العاصف البعيد.

وتم الإفراج عن الصحفيين الأجنبيين، وبقي شوكان محتجزاً يواجه كل هذه الاتهامات.

ويقول محاميه إن “حبسه لمدة تقارب 3 سنوات مخالف للإجراءات الجنائية التي حددها بسنتين للمحاكمة في أول درجة، ولكن من المتوقع أن يتم تأجيل جلسة 8 أغسطس لأن القضية كبيرة وما زالت قيد البحث لأن من سوء حظه تم ضمه لقضية كبيرة يحاكم فيها قيادات من جماعة الإخوان، ولكن نأمل أن يستجيب القاضي في إحدي الجلسات لطلباتنا بالإفراج عنه”.

ويختم عبد الراضي حديثه مع “هافينغتون بوست عربي” بأن: “الجائزة التي حصل عليها سوف تساعد مرة أخرى في تسليط الضوء علي قضيته من ناحية، ورفع معنوياته المنخفضة بسبب الظلم الواقع عليه من ناحية أخرى”.

رغم قسوة السجن والشعور بالظلم، إلا أن شوكان لم يتوقف عن الشعور بإنسانيته. وقرر التضامن مع مجموعة “الـ 10” وطلب من زملائه المصورين التقاط الصور لهم والكتابة عنهم مثلما يفعلون من أجله، وهم عشرة شباب تم إلقاء القبض عليهم في قضية “رابعة” ومحبوسون معه، ولم تؤكد التحريات تورطهم في مخالفات قانونية، إلا أنهم ما زالوا في السجن، وقرر المتضامنون معهم تدشين حملة لتسليط الضوء على موقفهم في القضية.

“رغم إلتزامنا بزيارته أسبوعياً إما بمفردي أو برفقة والدي، إلا أن شوكان نفسيته متأرجحة ما بين إحباط كلي، أو التشبث بالأمل”، يبدو الأسى على نبرات صوت محمد أبوزيد شقيق شوكان خلال اتصاله الهاتفي لـ”هافينغتون بوست عربي”، وفي الخلفية ضوضاء شوارع القاهرة. يضيف: الجائزة تؤكد لنا أن شوكان لن يكون ضحية النسيان، ولكن هل يمكن أن يشعر شوكان بفرحة هذه الجائزة دون أن يلمس تغييراً في التعنت ضده في الجلسة القادمة”؟

في قسم التصوير بجريدة “الشروق” المصرية، يجتمع أكبر عدد من المصورين الصحفيين من أماكن مختلفة لتبادل أخبار شوكان عقب كل جلسة محاكمة ومشاهدة صوره؛ للتأكد من أن ابتسامته المميزة ما زالت حاضرة رغم كل الآلم.

أغلبهم لم يعرفوه شخصياً قبل القبض عليه؛ نظراً لعمله كمصور حر، وبعد سجنه توطدت علاقتهم به خلال الجلسات وأصبح صديقاً للجميع. وفي جلسة 31 مايو/أيار الماضي، لم يكن شوكان داخل القفص الزجاجي، ما أتاح لهم فرصة تبادل الأحاديث والتقاط صورة “سيلفي” معه ستبقي للذكري بعد الفرج القريب.

وحشة السجن لا يبددها إلا الأخبار المفرحة في حياة زملاء شوكان وأصدقائه، كما روت زميلته المصورة الصحفية في جريدة الشروق لبني طارق

لـ”هافينغتون بوست عربي”. تقفز ابتسامة نصف فرحة ونصف ساخرة على وجهها، وهي تتذكر ما حدث في الجلسة الأخيرة: شوكان طلب مني تهنئة زميل لنا بزواجه وآخر لخطبته، وكان في شدة البهجة، وهو يؤكد لي أنه سوف يزور كل منهما لتهنئتهما بنفسه فور خروجه.

يلتقط المصور الصحفي بجريدة “الشروق” روجيه أنيس طرف الحديث عن شوكان من زميلته بذكرياته عن زيارته في محبسه منذ سنتين. “أخبرونا أن الزيارة للأقارب فقط، وسألني الضابط أنت مسيحي كيف تكون قريب محمود شوكان؟ رجوته أن يسمح لي برؤيته وبعد إلحاح وافقوا على دخولي، نصف ساعة زيارة من أجلها قضينا ساعات طويلة تحت الشمس. ما يتكبده الزوار يثير الحزن، وكثيراً ما يتم رفض الزيارات أو منع دخول كتب أو ملابس أو طعام، مما يسبب إحباط للسجين وأهله”.

يترقب شوكان وأسرته وأصدقاوه وزملاوه وكل الداعمين لحريته جلسة 8 أغسطس القادم، التي ربما يتحدد على إثرها إنهاء أكثر من عامين حبس وتجديد دون تهمة، وتصبح الجائزة الدولية لحرية الصحافة لعام 2016 تميمة حظ ومفتاحاً يعيد شوكان لشرفة الحرية.

لو استعاد شوكان حريته، سيتمكن من حضور حفل تسلم الجائزة، في 22 نوفمبر/ تشرين ثاني المقبل، في مدينة نيويورك، بحضور جيف زوكر رئيس شبكات CNN حول العالم، كما قال بيان الجائزة.

يذكر ان الجائزة الدولية لحرية الصحافة أطلقتها “اليونسكو” عام 1997 تكريماً للصحفي الكولومبي غييرمو كانو، الذي اغتيل أمام مقر صحيفته “الإسبيكتادور” في مدينة بوغوتا يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 1986، وتحمل الجائزة اسمه، وتبلغ قيمتها 25 ألف دولار، “لتكريم شخص أو مؤسسة أو منظمة ساهمت في النهوض بحرية الصحافة والدفاع عنها في أي مكان في العالم”، مع إعطاء الأولوية لأن يكون هذا المجهود تم بذله في وقت مواجهة الخطر.

تمول الجائزة مؤسسة “كانو” في كولومبيا، ومؤسسة “سانومات هيلزينغن” في فنلندا، ومؤسسة لويس كارلوس سارمينتو، تمنح الجائزة بناء على توصية من لجنة تحكيم مستقلة مكونة من 12 مهنياً، ويعد شوكان ثاني مصري يحصل على الجائزة، حيث فاز بها الإعلامي باسم يوسف في عام 2013، وبجوار خبر حصوله على الجائزة، تغريدة تقول إن مصر أصبحت ثاني أسوأ دولة في سَجْن الصحفيين بالعالم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق