حسن القباني يكتب: رسالة من صحفي مختطف

نقلا  عن الجزيرة نت

من مقبرة الأحياء المعروفة باسم سجن العقرب أكتب إليكم على منديل ورق تواليت من داخل قفض زجاحي في انتظار “قاض” ينظر تجديد خطفي خارج إطار القانون، بعد انتهاء مدة حبسي الاحتياطي في يناير/كانون الثاني 2017، عقب مرور عامين ويزيد في سجن العقرب.

أقبع في زنزانتي الانفرادية رقم 5 بعنبر 2 بسجن العقرب تلك الزنزانة الجرداء ذات الباب الفولاذي والقفل الحصين الذي يقدر بنحو 20 ألف جنيه والتي أجلس فيها طيلة 24 ساعة يوميا منذ بدء التجريدة في 22 من مايو/أيار 2017 حيث الفصل الثاني من برنامج التعذيب الممنهج ضدي وضد أمثالي من رهائن الديمقراطية والحرية، والتي كان فصلها الأول في يناير/كانون الثاني 2015،حيث كنت الصحفي الوحيد في مصر الذي حبس في زنزانة مظلمة مغلقة لمدة 11 شهرا، حتى أصبحت بعدها ضمن مئات من المعتقلين أصحاب الملفات الطبية الحرجة في عيادة السجن المتهالكة، رغم أني كنت لا أتعامل مع الأطباء قبل دخولي مقبرة الأحياء المسماة بسجن العقرب.

حكاية العقرب
“العقرب” هذه البقعة الصامدة والمضيئة في تاريخ النضال الوطني المصري تكلف الشعب المصري عشرات الملايين من الجنيهات من دون مبرر، ويشرف عليها جهات عليا بدأت تتصارع أخيرا حول جدوى برامج القتل البطيء في ظل الصمود المتواصل، حيث شهدت هذه البقعة ممانعة وصمودا من رهائن الحرية والمعتقلين كلفهم أكثر من 10 شهداء، وامتداد الأمراض لتشمل الجميع وسط ممارسات غير طبية متأثرة بالتعليمات والسياسات وزيارات صورية من لجان حقوق إنسان رفضناها في حينه.

لقد انضممت لعضوية هذه البقعة الصامدة في يناير/كانون الثاني 2015 بتهمة الانضمام للجماعة الصحفية وممارسة مهنتي “بشطارة” حسبما قاله مسؤول أمني لي، وصرت الآن واحدا من المختطفين خارج إطار القانون، وأستطيع القول إن برامج التعذيب البدني والنفسي والتجويع والحصار والإهلاك والتعجيز والتسميم في سجن العقرب تتم وفق برنامج ممنهج وبتعليمات عليا بغرض القتل أو التعجيز، وأعتقد ان ما نشر لم ينقل سوى أقل من 10% من الحقائق الموجعة، وهناك مئات الحالات التي تعاني من إهمال طبي صارخ، منها بجواري كل من الأساتذة: عيد دحروج، وعصام سلطان، ود. صفوت حجازي، وم. إبراهيم أبو عوف، وم. عمرو زكي، وم. جهاد الحداد، والزميل الكبير هشام جعفر، وم. جمال عشري، ومصطفي عبد العظيم، وخليل العقيد، وعبد الحكيم إسماعيل، واحمد عارف.

الضريبة الغالية
إن فريق الأزمة الذي اغتصب الوطن ويتجمل أمام الخارج ويزعم حمايته لحقوق الإنسان ورعايته للحريات والأمن والسلم الاجتماعي والقانون، تحت تأثير الوهم الحاكم لتصورات المريضة والبدائية، هو نفسه الذي يمارس جرائم ضد الإنسانية وألغى الديمقراطية وآلياتها ونتائجها ولاحق كل أنصارها من مختلف الاتجاهات وجر مؤسسات الوطن خاصة القوات المسلحة – التي خدمت في أحد أكثر مواقعها أهمية- إلى مسار استنزافي غير مقبول ومؤسف، كما سمح بعمي بصره وبصيرته بطغيان الإرهاب والعنف على المشهد برمته بعد مذابح مروعة

كصحفي محب لوطنه دفع ضريبة غالية ولا يزال من أجل إعلاء الحقوق والقانون، مستعد أن أصمد مزيدا من الوقت حتى تنعم مصر باستقرار دائم قائم على حلول عاقلة لا على مساومات مجحفة ومرفوضة تعرض من وقت لأخر.

أسالكم الدعاء وبذل الجهد في المساندة.

فالصحافة ليست جريمة، والوطن ليس ضيعة لأحد.

والسجون ليست للتعذيب

صحفي مختطف

في سجن العقرب

يونيو/حزيران 2017

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق