حسن القباني يكتب من محبسه :لو لم أكن صحفياً

ي صدر البعض شيء من الصحافة، يريد لها الصمت والانعزال لا الصدقفي والاستقلال، ويحرض على موتها بين حريق الشعب، أو حريق الكرب، ويحملها كل اهتزاز أو قلق أو توتر، ويصر على تفريغ رسالتها وهدر حقوقها، وهو ما يجب أن تنتبه له الجماعة الصحفية في مصر جميعاً، ونحن في فترة عصيبة من تاريخنا المدني الحديث.
واقعياً تذهب الأزمات وتأتي، وتقوم أنظمة وترحل أخرى، وتبقى الصحافة الحرة مهما دفعت من ضرائب حارسة له، طالما فقهت الرسالة والمهمة المحصنة المكلفة بها من الشعب، ولن تبقى صحافة مصر حارسة أمينة إلا عندما تبقى تقاليد نقابة الصحفيين عصية على الذوبان أو الاحتواء، فهي بحسب فرمان الشعب الأزلي، قلعة الرأي والرأي الآخر، ملاذ المظلومين، وهيئة الدفاع عن حرية أعضائها مهما كان الثمن، وكانت هذه بوصلتي الواضحة عندما ترشحت من داخل سجني في انتخابات مجلس النقابة الأخيرة، وكان شعاري وما زال “الحرية أولاً”.
وفي مثل هذه الأجواء المقلقة لا بد أن يكون انتماؤنا للجماعة الصحفية قوياً وراسخاً وأن يظل منبر نقابتنا صاحب هم وطني جامع، وأن تكون رسالتنا حرة وواعية، تجمع ولا تفرق، ترشد ولا تضلل، تنصف ولا تظلم، تنشر الحب لا الكراهية، لها رسالة نابعة من ميثاق شرف وقيم عليا تُعلي من مبادئ الفروسية عند الاختلاف، وتدعم حق التنوع الفكري، وتوفر الحل لكل أزمة، وتمد يد العون والنصرة لكل مظلوم، تحت مظلة نقابية حرة تصد كل عدوان عن أبناء صاحبة الجلالة، وأبناء الوطن الواحد؛ كي تصبح الصحافة في مصر -وبحق- رمانة ميزان الاستقرار الحقيقي للوطن المفدى.
وبالرغم من أن محنتي تخطت الـ 33 شهراً خلف الأسوار بدون سند من القانون، وبدون إدانة، بعدما أنهيت المدة القصوى للحبس الاحتياطي المقرر بعامين، بالإضافة إلى 9 شهور من الحجز خارج إطار القانون.
وعلى الرغم من شدة المحنة مع وجودي في سجن العقرب، وما أدراك ما العقرب! إلا أن ذلك كله بارك وزاد إيماني بالصحافة كرسالة ومهنة عظيمة، و شرف الانتماء إلى الجماعة الصحفية، وقوى من عزم قلمي وفكري الحر.
فلو لم أكن صحفياً لعزمت أن أكون صحفياً، ولو لم أكن من طليعة الحقيقة في نقابة الصحفيين لتمنيت كل يوم أن أكون ضمن هذه الطليعة الناهضة، مهما كانت الضريبة التي دفعتها، وما زالت تجري في شراييني كما يجري الدم، ولولا أن لي زوجة حبيبة ملكت قلبي وعمري كأرق أربع زوجات، لكنت قلت إن الصحافة هي الزوجة الثانية.
إن المساس باستقلال الصحافة والتأثير على أعضائها بالذهب أو بالكُرَب، واستمرار تجريم الصحافة والرأي في مصر على نحو ما يجري الآن ضدي وضد رفاق الدرب المهني، أمور لا تفيد الوطن بأي حال من الأحوال، ولا تؤدي إلى استقرار على الاطلاق.
إننا نحتاج إلى كلمة حق من الجماعة الصحفية تضع نقاط الإنجاز على حروف التحركات النقابية المفتقدة في وجه الإجراءات الجائرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق