خالد البلشي يكتب: جريمة المدافعين عن الصحفيين؟.. عن حكم غرفة عمليات رابعة ودلالاته

يأتي الحكم اليوم ببراءة الزميلين الصحفيين أحمد سبيع، وهاني صلاح الدين في غرفة عمليات رابعة، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف في الحبس الإحتياطي ليؤكد صحة موقفنا وموقف المدافعين عن الحريات، وفي القلب منها حرية الصحافة، بالدفاع عن المحبوسين مهما كان انتماؤهم، رغم الاتهامات التي كانت تلاحقنا – وتحديدا في لجنة حريات الصحفيين – بالتسييس والتعاون مع الإخوان،.. فالقضية كانت وستظل حرية الصحافة والصحفيين وحق الصحفي في نقابة تحميه والمتهم في أن يجد من يدافع عنه ويحمي حقوقه.
وبقدر ما يعتبر الحكم دلالة على أهمية دور النقابات، في الدفاع عن أعضائها، والمدافعين عن حقوق الإنسان في الدفاع عن هذه الحقوق، فإنه يثير العديد من الإشكاليات، أهمها الحديث عن ضمانات المحاكمة العادلة وحجم الظلم الذي يمكن أن يتعرض له إنسان نتيجة غيابها، سواء في صورة أحكام ظالمة، أو في قرارات تجديد حبسه بناء على تحريات الأجهزة الأمنية، وعن تحول الحبس الاحتياطي أيضا لعقوبة، وكوسيلة للاعتقال.

كما يثير الحكم العديد من التساؤلات أيضا، بخصوص التفاوت الكبير بين حكمي أول درجة، في المحاكمة الأولى، وفي إعادة المحاكمة، فكيف يتم الحكم على شخص واحد بالمؤبد من هيئة محكمة في درجة ، ثم يتم تغيير الحكم لـ براءة في إعادة محاكمته أمام نفس الدرجة، ومن يعوض العمر الذي أهدر بين الحكمين. وطبعا يظل أحد التساؤلات الكبرى، هو تساؤل استقلال القضاء والذي جاءت التعديلات الأخيرة لقانون السلطة القضائية، لتعيد تطرحه بشكل أكبر.

كل هذه التساؤلات، تأتي لتؤكد أهمية التمسك بالمواقف المبدئية، خصوصا في ظل النظم الاستبدادية، وما يواكبها من استشراء الظلم، والتوسع في إهدار حقوق المتهمين عبر محاكمات استثنائية، والاعتماد بشكل رئيسي على التحريات الأمنية كوسيلة للإدانة، وعلى رأس هذه المواقف والمبادئ ايضا عدم التورط في إدانة متهم، وتشويهه بناء على هذه التحريات وكذلك عدم التخلى عن دورنا الإنساني والحقوقي والنقابي والمبدئي في الدفاع عن حقوق أي متهم بسبب المناخ العام المعادي أو الخوف من الهجوم.

ومثلما تؤكد هذه التساؤلات على ضرورة استمرارنا في الدفاع عن المظلومين وتبني القضايا العادلة للمواطنين، فإنها في الوقت نفسه تقف حائلا أمام محاولات السلطة العكسية لإستخدام أحكام أخرى بالإدانة في قضايا سياسية، للنيل من القضايا العادلة أو محاولات النيل من المتهمين فيها أو المدافعين عنهم. استقلال القضاء والسلطة القضائية جزء رئيسي من حجية الاحكام ودلالاتها وإمكانية استخدامها.. فطالما لا يوجد استقلال للقضاء سيظل هناك من يدفعون ثمن تبنيهم لهموم المواطنين، وسيظل الباب مفتوحا للطعن في إجراءات وتوجهات السلطات الاستبدادية، وهو ما تؤكده العديد من الأحكام في القضايا ذات الطابع السياسي، كما يؤكده أيضا التناقض المفزع بين حكمي أول درجة في القضية الأخيرة، والتي تم تغييره ليس في حالتي الزميلين الصحفيين أحمد سبيع وهاني صلاح الدين فقط بل لما يقرب من 35 متهما تم تخفيض الأحكام بحقهم من الإعدام والمؤبد إلى السجن 5 سنوات والبراءة.

لكل ذلك فإننا سنظل ندافع عن الحقوق والحريات في هذا المجتمع للجميع وعن حق أي متهم في ضمانات محاكمة عادلة مهما كان انتماؤه، من منطلق إنساني وحقوقي ومبدئي، ودون خوف من الاتهامات التي كانت ولا زالت تلاحقنا، وتلاحق المدافعين عن الحقوق، فالقضية كانت وستظل هي الحرية والحق فيها، وحقوق الإنسان.
ولن يمنعنا فرحنا ببراءة مظلوم، من أن ندرك أن المظالم أوسع من قضية هنا وحكم هناك، وسنظل ندافع عن حق المجتمع في قضاء مستقل، وسنقف بكل قوة ضد تلفيق الاتهامات للمواطنين مهما كانت انتماءاتهم، وسندافع حتى النهاية عن حق الجميع في محاكمات عادلة، بعيدا عن المحاكمات الاستثنائية. لن نتوقف أيضا عن المطالبة بحقنا في وقف العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، وحق المجتمع في صحافة حرة وقضاء مستقل ومناخ لا ينتظر تحقيق عدالة جزئية ليفرح، بحقنا جميعا في الحرية، وأن نعيش في مجتمع حر خال من القهر والاستبداد.
باختصار سنظل ندافع عن حرية للجميع أساسها الدستور والقانون بعيدا عن محاولات استخدامه، وسنظل ندافع عن حقوق الإنسان، دون خوف من محاولات التخويف والإرهاب أو تسييس القضايا، لأن حقوق الإنسان لا تتجزأ، فتحمل الهجوم والتشويه، يتضاءل أمام سنوات يدفعها مظلوم من عمره بسبب صمتنا، أو أن تدفع بلدنا ثمن استبداد حاكم أو محاولات ترسيخ ظلمه من مستقبلها .

الحرية حق .. وحقوق الانسان حق.. والدفاع عنها لا يمكن أن يكون جريمة.

**خالد البلشي هو وكيل نقابة الصحفيين السابق والصادر بحقه حكما بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ لمدة ثلاثة سنوات بسبب دوره في قضية اقتحام قوات الأمن لنقابة الصحفيين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق