“خريف صاحبة الجلالة”.. 52% من الصحفيين فصلوا تعسفيًا آخر 3 سنوات

تحقيق استقصائي

تحقيق استقصائي

* نقلا عن مصر العربية

أجلس على مكتبي في مقر العمل. متصفحًا الانترنت. يطلّ عليّ من نافذة السوشيال ميديا الزرقاء “فيسبوك” إعلان لشركة “أوبر” لخدمة توصيل العملاء، تخبرني بأنه من الممكن كسب فرصة عمل معهم تُدِرُّ ربحًا يتراوح ما بين 3 آلاف جنيه وصولًا إلى 12 ألف جنيه.

أسرح بخاطري. ماذا عساي أن أصنع.. هل أترك الصحافة وأتجه للسواقة، فقياس أوضاع الصحفيين المادية بذلك الإعلان يجعلك تذهب بتفكيرك إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
قبلها بدقائق كنت وزملائي نتناقل الأخبار عن أن إحدى المؤسسات الصحفية التي قامت في اليوم ذاته بفصل 90 صحفيًا من العاملين فيها دون سبب يذكر وحتى دون حتى بيان يثبت الخبر أو ينفيه.
بدعابةٍ كتبت تحت إعلان الشركة “أنا صحفي ولو المبلغ ده صحيح ممكن آجي اشتغل. عادي جدًا” بجانبه وضعت ابتسامة لحالنا نحن الصحفيون. جائني رد الشركة بأنه “تعالا وجرّب”.
لم آخذ وقتا طويلا لأفكر في كتابة تحقيق صحفي عن أوضاع رسل “صاحبة الجلالة” المادية وما يتعرضون له من فصل تعسفي في ظل تشريعات تكبل يد نقابتهم في الدفاع عن حقوقهم والتي أهدرت.

فيكفي أن تعرف أنه في آخر 3 سنوات تعرض الصحفيون لإجمالي 2257 انتهاكًا بواقع انتهاكين ونصف يوميًا، وقتل 8 صحفيين أثناء تأدية عملهم. واعتقل 53 صحفيًا بينما بلغ عدد من تعرضوا للتوقيف والحبس المؤقت 358 صحفيًا.

 غير كم هائل من الفصل التعسفي. لكن لم يكن لديّ رقم لحقيقة أعداد الفصل التعسفي، والتي تزايدت بشكل كبير آخر 3 سنوات لذلك قمت بإعداد استطلاع للرأي شارك فيه 60 صحفيًا كانت نتائجه “مرعبة ” فنصف من شارك في الاستبيان فصلوا تعسفيًا آخر 3 سنوات، بينما 36.6% من هؤلاء الذين تعرضوا للفصل التعسفي لم يحصلوا على أي حقوق مادية بعد فصلهم، و26.7% منهم حصلوا على حقوق مادية لكنها منقوصة.

وهذه رسوم توضيحية لنتائج استطلاع الرأي:  



نتائج الاستبيان

أريد التنويه في البداية أن هذا الاستبيان نتائجه مقاربة للواقع لكنها ليست رسمية، فالعينة كانت عينة عشوائية ضمت 60 صحفيًا، وشملت كافة الأعمار بدءً من بداية العشرينات وصولا إلى سن الستين عامًا، كما شملت نساءً ورجالًا، بنسبة 78.3% ذكورًا و 21.7% إناثًا ، كما ضمت عدد من المتدربين وأعضاءً من مجلس نقابة الصحفيين وصحفيين بالمعاش ومعدي برامج وصحفيين بوكالات أنباء وصحفيين بجرائد ورقية وآخرين بمواقع إليكترونية.
وبلغت نسبة المفصولين آخر 3 سنوات ما يقارب 52% ، بينما من حصل على حقوقه المادية من الصحفيين المفصولين 32.4% ومن لم يحصل على حقوقه 45.9% بينما النسبة الباقية وهي 21.6% هم من حصلوا على حقوقهم منقوصة.
ورصدت من خلال الاستبيان أن هجرة الصحفيين للخارج زادت خلال آخر 3 سنوات بنسبة 4% لتصبح النسبة 14% بعد أن كانت 10 % قبل آخر 3 سنوات.
ورصد الاستبيان أيضًا أن نسبة من يتعرضون للمخاطر خلال مراسلتهم لوسائل إعلامية خارج مصر بلغت 61% من المراسلين جلهم ذكروا أن المخاطر تكمن في الجوانب الأمنية.

إنفوجرافيك توضيحي يشرح الاستبيان الذي قمت بتحليله   

فصول وحكايات من الفصل التعسفي

آية حسني، صحفية كانت تعمل في إحدى الجرائد الورقية المطبوعة في مصر، وتم فصلها مؤخرًا دون سابق إنذار ولم تحصل على أيٍ من مستحقاتها المادية بعدما تم فصلها تعسفيًا.

تحكي آية أن إدارة الجريدة أخبرتها أن اسمها مدرج ضمن قائمة من يشملهم التعيين، وطالبوها بتحضير كافة أوراقها الخاصة بالتعيين، وبالفعل قدمت أوراقها. ثم بعد ذلك بشهرين شملت ورقة خارجة من الإدارة اسمها لكن كانت تلك ورقة المفصولين.


آية حسني، صحفية فصلت تعسفيًا

تقول آية إنها لم تحصل على أي من مستحقاتها المادية بل أجبرت على توقيع ورقة بها إخلاء طرف في مقابل صرف المرتب آخر شهر لها في الجريدة.
هي ترى أن النقابة لن تستطيع الدفاع عن كل هذا الكم من الصحفيين المفصولين من الجرائد، لأن كل هؤلاء في النهاية ليسوا أعضاءً في النقابة وهي لن تدافع إلا عن أعضائها “بس ده ميمنعش إنها تتحمل ذنب كبير حيث أنها وضعت شروط صعبة جدًا لقبول عضوية الصحفيين بتجعلهم خاضعين ومذلولين لسياسات رأس المال البطشية وفي الآخر يرجع النقيب يقولك النقابة مبتتحركش غير عشان النقابيين”. هكذا تلخص آية الوضع بلهجة حادة، لهجة تختنق حزنًا بضيق حال الصحفيين.
وفي وصف ضيق الحال ذاك لن أجد أفضل من حديثها يعبر عن أوضاع الصحفيين.. تقول: “ضاقت الظروف بيًا جدًا وفكرت أهجّ وأسيب البلد وكنت بدور على شغلانات سكرتيرة وكول سنتر و”بتاع” بس مقدرتش أعمل ده في مصر لإني حسيت حسرتي على حلمي هطاردني كل يوم.. فيه جهة ما بتعاقب جيل شباب الصحفيين على مشاركتهم السياسية من بداية ثورة يناير وقررت إن هي تدخلهم في دوامة قطع العيش فاكرين إن هما كدة بيخرسوهم أو بيصنعوا منهم جيل آخر حاطط “جزمة في بوقه” والإيد أو الجهة ديه هي دلوقتي اللي بتسعي لوضع مقاليد سوق الصحافة كلها في يد أشخاص بعينهم بيخدموا مصالح الجهة دي”.

تتحدث الإنجليزية؟.. إذا انت عميل تهدم الدولة

آلان جريش، مدير تحرير جريدة لوموند دبلوماتيك السابق

المكان: مقهى شعبي في منطقة “وسط البلد” (شمال مصر)
الزمان: نوفمبر 2014
الحدث: يجلس أصدقاء ثلاثة على مقهى يتناقشون في حال البلاد عقب بيان 3 يوليو 2013 والذي تم بموجبه عزل الرئيس محمد مرسي. يتحاور الرفاق الثلاثة تارة بالعربية وتارة بالإنجليزية.
(في الخلفية ضوضاء كثيرة . كلاكسات سيارات. صبية يتسابقون بدرجات هوائية)
تخرج سيدة في الثلاثينيات من عمرها، من محل “لابوم” الذي هم يجلسون بجواره، لا تعرف ثلاثتهم ولا هم يعرفونها. تتقدم إليهم بخطىً مسرعة. على وجهها ملامح منزعجة. وقفت أمامهم لتسد عنهم رؤية الطريق “انتوا عايزين تخربوا البلد”
ـ من انت؟ بلهجة “مكسرة” قالها آلان
ـ ميهمش
– ماذا تريدين
– هاطلب لكم البوليس ياخونة
دقائق قليلة خلتها مهاترات وسباب، أتت سيارة الشرطة لتقل الثلاثة المتهمين بقلب نظام الحكم.
” كان حدثًا تاريخيًا فاصلا في حياتي” . آلان جريش لا يصدق حتى الآن ما حدث يروي الحكاية لي في الهاتف مذهولا رغم مرور سنتين .
يقول آلان جريش إن “المواطنة الشريفة” ـ هكذا يسميهاـ اعتبرت أننا بمجرد تحدثنا بالعربية والإنجليزية معًا في “شؤون البلد” فنحن هكذا نريد إسقاط الدولة وهدم نظام الحكم.
(مشهد داخلي في قسم شرطة “قصر النيل”)
احتجز آلان جريش وصديقتيه مدة ساعة ونص الساعة، إلا أن رن هاتف مأمور القسم ..
ـ تمام .. علم يا فندم .. أوامر معاليك
ينزل الضابط هاتفه من على أذنه. ينظر لـ آلان جريش
ـ متقلقش .. انت هتخرج حالا
ـ لن أخرج إلا وزميلتي معي
– دي أوامر عليا لازم تتنفذ . دول هنعمل عنهم تحريات الأول
ـ إذن سأبقى معهم
يقول آلان إنه لولا تواصل السفارة الفرنسية مع وزارة الداخلية المصرية لما كنت خرجت ومعي زميلتيّ بعد اتهامي بالعمل على هدم الدولة.
يؤكد آلان جريش أن ما حدث معه لم يكن سوى حلقة من حلقات كثيرة من الاضطهاد الذي يتعرض له صحفيون مصريون، من نظام يظن أتباعه أن كونك صحفيا لهو أمر خطير على كيان الدولة. يقول إن ذلك يمثل ضغطًا كبيرًا على ممارسي تلك المهنة.
يرى آلان أن سلطة 3 يوليو يؤكد أنها سلطة (انقلاب) تتخوف من الصحفيين وتضطهدهم “عهد مبارك أقل تعسفا واضطهادا للصحفيين من نظام السيسي” . هكذا يرى آلان.
” وضع الصحفيين الأجانب في مصر خطر على حياتهم. وسيناريو “جوليو ريجيني” من الممكن تكراره مرات عديدة”.
يقول آلان، إنه بعد ثورة يناير2011، جيشت الدولة ضد الأجانب خاصة منهم الصحفيين ، ومنها حملات منظمة تذاع على شاشات التلفاز، تشكك في أي صحفي أجنبي وتصفه بأنه جاسوس.
“هذه الهيمنة لم تحدث في أي عهد بمصر”..  “لا نستطيع أن نقول أن ما يفعله نظام السيسي سياسة.. ولا يمكن بحال مقارنة ذلك بأيام عبدالناصر في عداءه للغرب.. فالنظام الحالي يستعدي الأجانب أنفسهم، وليس الأنظمة، وهذا خطر كبير.. وهناك جزء من المجتمع المصري بيفكر بهذا الشكل (انت أجنبي إذا انت جاسوس) بسبب تجييش الدولة”.
يقول آلان: “لا أقول إن مصر دولة فاشية.. لكن هذه بالفعل جزء من الأشياء التي يفعلها الفاشيون بأن يستخدمون المواطن العادي في الإرشاد عمن يتقول بقول معين”.
“وضع الصحفيين الأجانب في مصر خطر على حياتهم.. بالفعل لم يحدث سوء سوى للشاب الإيطالي الذي قتل (يقصد: جوليو ريجيني).. لكن ذلك من الممكن أن يحدث مع أي شخص آخر حتى لو مش صحفي.. وأنا أعرف أن بعض الصحفيين مش بيروحوا مصر عشان خايفين”.
وعن الأضرار التي ربما تلحق بالنظام من مطاردة الصحفيين يؤكد “آلان” أن جموع الصحافة المصرية والعالمية كانت ضد الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي،والصحافة ذاتها الآن تقف ضد السيسي، فهذا “ضد مصلحة السلطة”.
” مفيش مجتمع دولي يدافع عن الصحفيين المصريين في انتهاكات السلطة ضدهم لكن فيه دول ترتبط بمصالح اقتصادية مع نظام السيسي.. وكمان فيه كلام في الدوائر المغلقة أن الديكاتورية أفضل من الإسلاميين”

صحفي يحرق نفسه

شريف البراموني صحفي مصري أقدم على الانتحار بعدما ساءت أحواله المادية.

تقدم شريف على سلالم نقابة الصحفيين وسط حفل من زملاءه الذين كانوا يتظاهرون ضد فصلهم تعسفيًا فسكب بنفسه فوق رأسه مادة السولار سريعة الاشتعال وشرع في إشعال عود كبريتٍ كاد ينقله لعالم آخر محاولا التخلص من كم هائل من مشاكله، لولا عناية الله وتدخل زملاءه في اللحظة الحاسمة.

تحدثنا إليه لنستوضح الأمر برمته، فقال لنا إنه كان يعمل في إحدى الجرائد الورقية، وظل فيها طيلة 5 سنوات بمرتب ضئيل جدًا، أملا في أن يتم تعيينه كخطوة للحصول على عضوية نقابة الصحفيين.

لكن غالبا في عالم الصحافة ما تأتي الرياح لتقضّ جهود السفن وتجازيها بالإحسان إنكارًا. تغيرت إدارة الجريدة وتم بيعها لمالك جديد، فانقلبت الأمور رأسًا على عقب. تفاجأ صحفيو الجريدة بخبر في جريدة منافسة يكشف تفاصيل لا يعرفونها عن أن جريدتهم سيتم إغلاقها، كان هذا على لسان رئيس التحرير الجديد.

شريف البراموني صحفي مصري أقدم على الانتحار 
يقول شريف، إنه حدثت بلبلة كبيرة في مقر العمل بعد هذا التصريح الصادم، فتفاوضت معهم الجريدة بأنها من الممكن أن تتراجع عن قرار الإغلاق وتعديله والإبقاء على الموقع الإليكتروني وحده والتضحية بالجريدة المطبوعة في مقابل تنازل العاملين عن 40 % من رواتبهم . فوافقوا على مضضٍ.
لكن الإدارة مع ذلك لم تلتزم بالاتفاق المجحف، وفصلت 150 صحفيًا بشكل تعسفي، كان شريف من بينهم.
“الأول من سبتمبر عام 2015 ”
ذلك تاريخ مشهود في حياة شريف البراموني، ففيه نظم المفصولون وقفة احتجاجية على سلالم النقابة بشارع عبدالخالق ثروت. حينها غمر الحزن قلب شريف فحاول حينها الانتحار.
يقول عن تلك اللحظة: اسودّت الدنيا من حولي. بلغت من عمري 35 عامًا لكني لم أتعين وأحصل على عضوية النقابة خلال تلك السنوات الطويلة في العمل الصحفي.. وها أنا ذا أفصل من العمل.. كنت خاطبًا إحدى زميلاتي منذ عامين، فهل أقول لأهلها إنني أخلفت عهدي معهم وأفسخ الخطوبة لعدم قدرتي على توفير احتياجات الزواج المادية.. كان الحل الأمثل أمامي أن أنهي حياتي بيديّ.
مؤخرًا.. حصل شريف في شهر أغسطس عام 2016 على حكم قضائي يلزم نقابة الصحفيين بإدراجه عضوًا تحت التدريب، في لجنة قيد استئنافية. لكنه يؤكد أن النقابة لم تنفذ الحكم حتى الآن باشتراطها إمضاء رئيس مجلس إدارة الجريدة التي يعمل بها على جواب تكليف بالانضمام لعضوية النقابة. يؤكد أيضًا أن ذلك تعسفا وامتناعا عن تنفيذ حكم قضائي. لكنه واثق في الوقت ذاته أن النقابة سوف تنفذ إن عاجلًا أو آجلًا.

يصف شريف سوق العمل الصحفي بأنه “عشوائي” فرجال الأعمال يريدون أن يتكسبوا من السوق الصحفي ثم لا يريدون أن ينفذوا أيا من القوانين التي من المفترض تلزمهم بتعيين الصحفيين بعد فترة تدريب 7 أشهر.

كما أن رؤساء التحرير لا يعملون وفق مصالح الصحفيين بل ييممون شطرهم حيثما ربضت قبلة المستثمرين كي ينالون الرضا.
لا استطيع شراء فستان لبنتي

مصطفى عبيدو، أحد شباب الصحفيين ناضل في رفع قضية في هيئة قضايا الدولة تطالب بوضع حد أدنى لأجور الصحفيين ، لضمان دخل مادي مريح للصحفي، استمرت القضية سنوات إلى أن تم الحكم فيها بقبول الدعوة وإلزام الدولة بوضع حد أدنى لأجور الصحفيين وتشكيل لجنة من المجلس القومي لبحث الأمر مع المجلس الأعلى للصحفيين.

مصطفى عبيدو، صحفي بجريدة الجمهورية
سألنا عبيدو عن خطوات ما بعد قرار المحكمة فقال:
– كسبنا القضية الحمدالله لكن تتبقى معركة التنفيذ التي تتطلب تكاتف كل الصحفيين لأن     الدولة لا تبدي أي تعاون أو استعداد لرفع الأجور.

2- من المستهدفون بهذه الزيادة.. هل النقابيين ـ المشتغلين من النقابيين ـ أم أي أحد يمارس المهنة ؟
المستهدف كل من يعمل بمهنة الصحافة وكل من له علاقة بها من كل الصحف لأن القانون    لايميز بين صحفي أو عامل أو إدارى أو بين صحفي حزبي أو قومي أو مستقل أو خاص. كلهم
صحفيين.

3- ما الأمر الملح الذي رأيته في يوم فحرك داخلك للسعي نحو رفع القضية والمثابرة كل تلك الفترة. اعتقد أنك رأيت شيئًا إنسانيًا في أحوال الصحفيين هزتك.
– ذات مرة وقفت ابنتى أمام محل بوسط البلد كانت تريد فستانًا جميلا ترتدية قالت لي “بابا
اشتريه لي” فنظرت إليه فوجدت سعره هو مرتبي فقلت لابنتى حاضر ساشتريه بعد ذلك      فأصرت فأمام إصرار ابنتي وعجزي عن تحقيق هدف بسيط لها وهي التي لا تفهم أي شئ   من الوضع الاقتصادى قررت رفع الدعوى.

4- وضع الصحفيين المصريين يرثى له فبينهم معتقلون كُثر، ومنهم من دفع دمائه في المهنة، وكذلك فإن أوضاع الكثيرين منهم المادية لا تسر، تُرى من تسبب في تلك الحالة؟
_ وهل للسطلة السياسية دور؟
– السلطة لاتريد للصحفيين أي راحة على الإطلاق. تريدهم يلهثون بسبب المشاكل بكافة
أنواعها تشغلهم حتى لا يكتبون ما يؤرقها.
5- هل من الطبيعي أن يدفع شباب الصحفيين تضحيات من أجل كسب لقمة عيش أو الحصول على كارنيه النقابة؟

– ليس طبيعيا أن يعذب الصحفي.  فالطبيعي أن توفر له كل أجهزة الدولة الراحة وتساعدة بل وتسهل مهمته لكن هكذا الطغاه لا يريدون لأصحاب الكلمة أي استقرار  أو راحة من أي نوع.

6- برأيك.. ماذا ينقصنا من تشريعات كي نحمي حقوق الصحفي؟

لا ينقصنا تشريعات إلا قانون تداول المعلومات وعدم الحبس وباقي القوانين بها مواد
أكثر من رائعه لكنها لا تطبق.

قلاش يتحدث عن فاجعة العمل كصحفي

قانون النقابة الحالي يحولها لمجرد فولكلور لا دور له
“أستطيع وصف سوق الصحافة بإن جزءً كبيرًا منه تحول إلى سوق نخاسة”
النقابة تعيش حالة من الفوضى والفراغ التشريعي
نسعى لإعادة تعريف الصحفي بأنه الذي يصنع المحتوى وليس من يعمل بجريدة
كنا في المرتبة من الأولى للثالثة في تصنيف المرتبات وحاليًا خارج التصنيف

حين اتصلت به لتحديد موعد للمقابلة، شرحت له فكرة التحقيق، فوجدت منه تعاونا. في اليوم التالي كنت في مكتبه بالنقابة . جلست في مقابله وأوردت له نتائج استطلاع الرأي التي نفذته، والنسب التي خرجت بها. استمع حتى انتهيت ثم شرع في الكلام.

يحيي قلاش، نقيب الصحفيين

يقول قلاش، في مفتتح حديثه عن العمل الصحفي، إن الصحافة كانت بالنسبة لجيله هي العمل في مهنة المتاعب، وفكرة الاقتران بمهنة الصحافة فيها مشقة، ومعاناة ولا يصمد فيها إلا من هو عنده إدراك كامل وقدرة على التحمل.
وأضاف أن كل هذا تضاعف في العقدين الأخيرين لأسباب كثيرة، فهناك حالة من الفوضى والفراغ التشريعي.. كما أن هناك استغلال للشباب الكثيرين الذين يتخرجون من كلية الإعلام.
وعدّد “النقيب” من أسباب مضاعفة المتاعب داخل المهنة، فقال إن منها أيضًا أن سوق العمل يُضَخّ فيه كل سنة مئات من خريجي الإعلام .. وزاد أمر بيع الشهادات، هذا بخلاف خريجي الكليات الأخرى لأن المهنة لا تتوقف على خريجي الإعلام، وحدهم ” كل هذا سبب فوضى وأدى لاستغلال الشباب”.

 “أستطيع وصف سوق الصحافة بإن جزءً كبيرًا منه تحول إلى سوق نخاسة”

هنا.. تدخلت بسؤال للنقيب: هل ترى أن التشريعات الحالية تكبل يدك؟
بالطبع، “شوف.. منظومة التشريعات لابد أن تعدل بما فيها قانون نقابة الصحفيين ـ وقانون تنظيم المهنة اللي احنا بنسميه قانون الإعلام الموحد الحالي ـ وبما فيها الضمانات المرتبطة بإصدار تراخيص الصحف لابد فيها من ضمانات متعلقة بحقوق العاملين في الصحف”.

“مينفعش أطلع جرنال بعشرات الملايين وميبقاش فيه ضمان لحقوق العاملين حين تغلق الصحيفة أو يتم فصل الصحفي”.
وما الذي يمنع من إصدار تشريع؟

“المنظومة فيها خلل ، إحنا عن طريق لائحة القيد بنحاول ننظم جزء منها.. لكن ده عبء كبير جدًا، لإن ده مش مقنن.. المفروض إنك لما تروح تدرّب في مكان ما.. المكان ده يخطرني باسمك، لإنه في خلال سنة يقوللي إنك كملت سنة.. وده معناه إنه لازم يعينك.. النقابة لا تقيد إلا من هو مذكور اسمه في هذه الجرائد”.
يقول النقيب إن قانون النقابة هو أكبر عائق يواجهه لما فيه من عوار كبير ويوضح ذلك بقوله: ” القانون ده فيه تشوهات تشريعية، باسميه “فراغ تشريعي” ومر عليه 5 عقود منذ إصداره، وأصبح مش مناسب لسوق العمل.. تخيل: هذا القانون هو آخر قانون مضاه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قبل وفاته”.

“حتى تعريف الصحفي اختلف عن تعريف الصحفي قديمًا، فالمتعارف عليه وفق القانون هو أن الصحفي ذلك الذي يعمل في جريدة ورقية، فلم يكن هناك مواقع إليكترونية ولا كان هناك سوشيال ميديا.. لكننا نسعى في مشروع القانون الجديد الذي ندرسه بالتركيز على أن يكون تعريف الصحفي بأنه هو الذي يصنع المحتوى”.
وسرد قلاش أوضاع الصحفيين الصعبة التي سببها الفراغ التشريعي الذي أشار إليه “بعض المؤوسسات الصحفية تستغلك عشان تدفعلها فلوس عشان تتعين وتاخد البدل (بدل التدريب والتكنولوجيا الذي يحصل عليه الصحفيون أعضاء النقابة) أو تعمل دون مرتب”.

“طول عمر النقابة بتنظم سوق العمل للمقيدين عندها ولكن للأسف ده مبقاش ينفع لإن إحنا مطالبين ندافع عمن هم خارج عضوية النقابة”.

ومتى سيصدر القانون؟

“القانون له مساره الأساسي وهو البرلمان.. لكن برده احنا كجماعة صحفية لازم نخرج المنتج الجيد.. آن الأوان كي نخوض هذه المعركة.. وضعنا تصورًا لمشروع القانون، فيه ورقة عملها “جمال غيطاس” (رئيس تحرير مجلة لغة العصر) وأخرى عملها د.محمود علم الدين (أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة).

وهناك محاولة أخرى كانت في عام 2012 وكانت خارج النقابة.. مؤتمر كبير شارك فيه “صلاح عيسى” (رئيس المجلس الأعلى للصحافة) و”رجاء الميرغني” (أكبر صحفيي وكالة أنباء الشرق الأوسط) و”حسين عبدالرازق”( عضو اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية الإعلامية) و”محمود علم الدين”.

أريد أن أفتح معك ملف الصحفيين الشباب مرة أخرى، هؤلاء الذين يعملون لمدة 16 ساعة يوميًا، ليضمنوا لأنفسهم دخلا مناسبًا، والذين يتعرضون كل يوم لانتهاكات أمنية أثناء عملهم. هل هذا شيئا عادلا؟

“طول عمر المهنة مهنة خطيرة ، لأسباب كثيرة منها أننا في قلب منطقة تموج بأحداث كبيرة، تجعل الصحفي في المواجهة دائمًا بحكم طبيعة عمله، لأنه مش هينفع حدث يحصل والصحفي غير موجود”.

“شباب الصحفيين تحرروا فكريًا لكنهم يتعرضون لمخاطر كبرى وترغمهم الحياة على تقبل أوضاع لا يتقبلونها”
“فكرة أن الصحفي يجمع ما بين شغلين ويضطر يفضل شغال 16 ساعة في اليوم الواحد علشان يوفر احتياجاته مرتبطة بتردي الأوضاع المادية للصحفيين منذ بداية الثمانينات وحتى الآن وهذا أخطر شيء تواجهه المهنة.. هذا وضع كارثي لأن هذه المهنة لها طابع خاص ووضع سياسي خاص أيضًا”.

وقال: “إذا لم يتوفر لك الحد الأدنى لقوت اليوم، فانت لا تملك قلمك”

“احنا كمان في بلد تتعرض لمخاطر داخلية وخارجية ، وعندك أموال بتجيلك من برا لسوق الصحافة متعرفش مصدرها إيه بالضبط، فبالتاي فكرة إن هذ العنصر البشري مش آمن على قوت يومه، فيكون عرضه للإغراءات المادية، دي أخطر حاجه تواجهها أي بلد، دي مش مجرد حرفة”.

“الصحفيين في الستينات والسبعينات كانوا في المرتبة من الأولى للثالثة في تصنيف المرتبات.. احنا حاليًا خارج التصنيف”.
“الآن هناك حكم محكمة بإلزام مجلس القومي للأجور بوضع حد أدنى لأجور الصحفيين، وطالبنا بده من رؤساء الحكومة سواء إبراهيم محلب أو شريف إسماعيل، وتم تكليف المهندس أشرف العربي لبحث هذا الأمر مع النقابة”

البعض اقترح أن يوجد في القانون الجديد بندًا يضمن أن تكون هناك شعبة للصحفيين الإليكترونيين. تعليقك؟

“مينفعش مهنة تقف ضد التطور ، مهنتنا استوعبت كل التطورات منذ نشأة الصحافة بطرق بدائية، مينفعش تيجي فترة وتقول تعبت، ده بيحول النقابة لمجرد فولكلور.. الخوف وسط الجماعة الصحفية إنه من الخطر إغراق النقابة بعدد كبير من الإليكترونيين دون وضع ضوابط محدده، لذلك نسعى لوضع تعريف للصحافة الإليكترونية بأنها “الصحافة المؤسسية” (فقط) والتي بها ضوابط مؤسسية وتحتوي العلاقات العامة فيها ضمانات للي شغالين معاها بمعنى إن يبقى عندنا حاجه شبيهة بالأهرام والأخبار والجمهورية في الصحافة الإليكترونية وليس مجرد مواقع هواه”.

والمتدربين؟

“مش هينفع أعمل حاجه للمتدربين إلا بإصدار قانون النقابة.. لازم القانون يجبر المؤسسات على إخطارنا بالمتدرب لتعيينه بعد 6 شهور أو يجدد له ولكن لمرة واحدة فقط”.

ويبقى السؤال المستمر منذ 3 سنوات. ما الجديد في ملف المعتقلين؟

“مفيش جديد في ملف المعتقلين، لأنه لا ينفصل عن المناخ العام، سعينا أكتر من مرة، وطُلب مننا في الرئاسة قوائم، وأرسلناها وأعلن إن فيه قوائم للعفو ثم من كام أسبوع بعد ما قابل الرئيس رؤساء التحرير وقال إنه هيصدر عفو ومن بينهم صحفيين”

وخص النقيب شوكان بالذكر “بعتنا للرئاسة 3 أو 4 مذكرات للرئاسة تخص شوكان.. المشكلة إن اللواء اللي عمل القضية عمل له حرز سلاح. ليستمر هذا العبث الذي يواجهه منذ 3 سنوات”

وماذا عن المعتقلين المتهمين بالانتماء للإخوان؟

“ندافع عن كل الزملاء مهما كانت انتماءاتهم ونحاول تذليل العقبات التي يواجهها أهاليهم” ثم عقب بالإشارة عن حديثه أن كل ذلك مرتبط بالمناخ العام.

وعن رد الرئاسة قال: “الرئاسة بتاخد الحاجات اللي بعتناها وتوديها الجهات المختصة”.

إجمالي الانتهاكات آخر 3 سنوات 

إنفوجرافيك يستعرض إجمالي الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون خلال آخر 3 سنوات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق