صلاح عيسي يكتب: تشريعات الصحافة بين رابطة صنّاع الطغاة ورابطة عبده مشتاق

لم أفهم معنى للكلام الذى نشرته «الأهرام» يوم الأربعاء الماضى، وقالت فيه، إن المستشار مجدى العجاتى، وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، «كشف عن إحالة قوانين الصحافة والإعلام خلال ساعات، وذلك بعد انتهائه من تقسيم قانون الصحافة الموحد إلى ثلاثة قوانين وفقاً لتوصيات مجلس الدولة بعد مراجعته للقانون». ولم أتبين من صياغة الخبر، هل اختص الوزير «الأهرام» بهذا الكشف القانونى المثير، أم أنه أعلنه لمندوبى الصحف فى مجلس النواب جميعهم؟.. فإذا كانت الأولى فلماذا لم تتباه «الأهرام» بانفرادها وتنشره فى صدر الصفحة الأولى، كما تفعل الصحف عادة.. وإذا كانت الثانية فلماذا تجاهلته كل الصحف الصادرة فى اليوم نفسه، وكأنه لا ينطوى على أى كشف إخبارى مثير؟.

أما الذى أدهشنى، فهو أن «الأهرام» لم تقم بالحدّ الأدنى من الواجب المهنى الذى يليق بجريدة عمرها 140 سنة، فتسأل الوزير عن تفاصيل الخبر، من بينها: ما الأسانيد القانونية والدستورية، التى استندت إليها توصيات مجلس الدولة بتقسيم قانون الصحافة الموحد إلى ثلاثة قوانين.. وهل هى ملزمة أم غير ملزمة؟.. ومن الذى قام بتقسيم القانون الموحد إلى هذه القوانين الثلاثة؟ وما العنوان الذى سيأخذه كل قانون منها، والأبواب والفصول والمواد التى سوف يتضمنها، ومدى صلتها بالنصوص التى وردت فى مشروع القانون الموحد الذى سبق للحكومتين، الحالية والسابقة، أن توافقتا عليه مع اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية التى وضعت المسودة الأولى للقانون، بعد مراجعته عدة مرات، وهى مراجعة شارك فيها مندوبون عن وزارات التخطيط والعدل والشؤون القانونية والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة ومجلس الدولة؟.

وأخيراً.. وليس آخراً، هل ستحال القوانين الثلاثة إلى مجلس النواب لكى ينظرها كوحدة واحدة، أم سوف ينظرها بالتقسيط المريح، وحسب التساهيل، فتُستصدر من مجلس النواب ما تريده من هذه القوانين الثلاثة، وتضع الباقى فى ثلاجة مجلس النواب إلى حين ميسرة، يفتح الله فيها على مصر بحكومة ديمقراطية تلتزم بالدستور، وتصون حق المصريين فى صحافة حرة ومسؤولة ومهنية؟!.

تلك أسئلة لو كانت «الأهرام» قد وجهتها إلى المستشار العجاتى – لو صح أنه مصدر الخبر الذى نشرته – لأجابها بما يسيئها ويسوء كل الصحفيين والإعلاميين والحريصين من النواب والساسة ورجال الأحزاب على إرساء قواعد الدولة المدنية الديمقراطية العصرية، إذ ليس الأمر فى حاجة إلى ذكاء كبير لكى يدرك كل من يقرأ الكشف الأثرى المنسوب إليه، أننا أمام محاولة ساذجة لإحياء فكرة البدء بإصدار القوانين التى تطبق المواد 211 و212 و213 من الدستور، تمهيداً لتشكيل المجالس والهيئات التى تنظم أو تدير المؤسسات الصحفية والإعلامية، سواء كانت مملوكة للدولة أو للأفراد والشركات الخاصة، لتتولى هذه المجالس – حين ميسرة – وضع مشروعات القوانين التى تطبق المواد 70 و71 و72 من الدستور، التى تكفل للمصريين حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائط الإعلام الرقمى، وتحظر بأى وجه فرض الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام أو مصادرتها أو إغلاقها، كما تحظر توقيع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية، وتلزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها بما يكفل حيادها، وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص فى مخاطبة الرأى العام.

تلك فكرة استند أصحابها فى البداية إلى أن الدستور ينص على أخذ رأى هذه المجالس والهيئات فى مشروعات القوانين التى تتعلق بعملها، وهو ما يفرض أن تتشكل أولاً، وهو لغو قانونى ودجل دستورى من أعلى طراز، سبق لنا ولغيرنا أن فندناه فى هذا المكان، فى مقالات يستطيع من يشاء أن يعود إليها فى الموقع الإلكترونى لهذه الجريدة، كما سبق للمجلس الأعلى للصحافة ولنقابة الصحفيين أن اعترضا عليها فى بيانات عامة ورسائل توجهت بها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، ولا معنى للعودة إلى طرحها من جديد، ونسبتها إلى توصيات صدرت عن مجلس الدولة، إلا أن التحالف الذى يجمع بين رابطة صنّاع الطغاة ورابطة عبده مشتاق عاد لينشط من جديد، متوهماً أنه يستطيع أن ينسب جرائمه فى حق حرية الصحافة والإعلام إلى مجلس الدولة، الذى أصدر – فى عهد رئاسة عبدالرزاق السنهورى باشا له عام 1951 – أحكاماً تنتصر لهذه الحرية، لاتزال تتوج رؤوس قضاته بأكاليل الغار حتى اليوم.

أما وقد عدنا من حيث بدأنا، فقد آن لحكومة شريف إسماعيل أن تحدد موقفها بوضوح من مشروع قانون الإعلام الموحد، الذى سبق لها أن توافقت على نصوصه مع ممثلين للجماعة الصحفية والإعلامية، وأن تلزم الوزير الذى يمثلها فى مجلس النواب بذلك، إذ كان هو مصدر الخبر الكاذب الذى نشرته «الأهرام».

وآن للنظام القائم أن يتنبه إلى أن تحالف رابطة صنّاع الطغاة ورابطة عبده مشتاق سوف يلقى بنا جميعاً بين براثن الأعداء الذين يتخذون من قضية حرية الصحافة والإعلام منصة لإطلاق النيران عليه وعلينا!.

ويا أسيادنا الذين فى كوكب حرية الصحافة والإعلام.. نوبة صحيان!.

× نقلا عن المصري اليوم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق