علاء أحمد عبد المنصف يكتب :حبس صاحبة الجلالة*

في سابقةٍ هي الأولى من نوعها خلال الـ 75عامًا الماضية، تصدر محكمة مصرية حكمًا ضد نقيب الصحفيين يحيى قلَّاش، ووكيل النقابة خالد البلشي، والسكرتير العام للنقابة خالد عبد الرحيم، بحبسهم سنتين وكفالة 10 آلاف جنيها لوقف التنفيذ في قضية سياسية في المقام الأول والأخير، لا علاقة له بالاتهامات التي يُحاكمون عليها من إيوائهم عدد من الصحفيين داخل مبنى النقابة، بل هو بسبب مواقفهم الفاضحة لانتهاكات النظام.
ويعد هذا الحكم مسمارا جديدا يُدق في نعش الحياة السياسية والصحفية المصرية، تحدث لأول مرة في تاريخ نقابة الصحفيين ليزداد يقيننا بتدمير الحياة السياسية في مصر يومًا بعد يومٍ.فالرسالة باتت الآن واضحة؛ أنه على الجميع الصمت عن الانتهاكات التي يقوم بها النظام، وأي محاولة لفضح هذه الانتهاكات سيكون مصير صاحبها الحبس في غيابات السجون.

فالنظام الذي لا يتورع عن مُحاكمة أعرق منظمات المجتمع المدني في العالم “نقابة الصحفيين” ويعمل على حبس نقيبها في سابقةٍ هي الأولى من نوعها، لن يتكاسل في مُلاحقة باقي شرائح المجتمع ومنظماته، وبات الجميع الآن في مرمى انتقام النظام.
رغم أنه على مدار أكثر من 60 عامًا، صدرت قوانين دولية عديدة لحماية الصحفيين وتمكينهم من الدفاع عن حقوقهم. فجاء في نص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود والجغرافية”.
وذكر العهد الأممي للحقوق المدنية والسياسية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966، في المادة 19 منه: “لكل إنسان الحق في اعتناق ما يشاء دون مضايقة، ولكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار، وتلقيها ونقلها إلى الآخرين في أي قالب وبأي وسيلة يختارها، ودون اعتبار للحدود”.
وجاء في إعلان اليونسكو حول إسهام وسائل الإعلام في دعم السلام العالمي والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والتحريض على الحرب للعام 1978، في مادتة الثانية أن:
“ممارسة حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام المتعارف عليها كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية هي عامل جوهري في دعم السلام والتفاهم الدوليين”.
وجاء إعلان جوهانسبرغ 2002 للأمن القومي وحرية الوصول للمعلومات، وأيد الحق في الوصول للمعلومات، باعتباره من الحقوق الضرورية لضمان التمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير.
وذكر التقرير الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي والتعبير 1993 “إن حرية التعبير تتضمن الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الدولة، وتلقى التزامات إيجابية على الدول لضمان الوصول إلى المعلومات”.
وفي الميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004، ضمن الميثاق الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير، وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة، ودونما اعتبارا للحدود الجغرافية (جميع الدول العربية لا تجيز الدخول حتى للمطبوعات العربية دون رقابة مسبقة).
وأقرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان 2010، بأنه يلزم لحرية الصحافة حماية خاصة كي تتمكن من لعب دورها الحيوي المنوط بها، وتقديم المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام. ونصت أغلب الدساتير العربية على حرية الرأي وحرية الصحافة.
وورد هذا النص في دساتيرعربية عديدة غير أنها -غالبا- ما ألحقت هذه المواد بعبارات مُقيدة مثل: في حدود القانون، وبما يتفق مع القانون، أو بالشروط التي يحددها القانون.
وبصفتي الأمين العام لمؤسسة عدالة لحقوق الإنسان – JHR، فقد أعلنا تضامنها الكامل مع نقابة الصحفيين، وأعضائها، الذين رفضوا رفضا قاطعًا، هذه الأحكام الجائر  التي تنم عن حالة الاحتقان والانتقام السياسي في مصر الآن، من قبل سلطات الدولة المُختلفة.

وتتبنى المؤسسة مُخاطبة الجهات الدولية للوقوف ضد هذا الحكم، وما يشابهه من أحكامٍ جائرة أخرى، تُعيق دور منظمات المجتمع المدني، في القيام بواجباته المنوطة عليه. وبالرغم من كافة المواثيق الدولية المذكورة وغيرها الكثير، إلا أن السلطات المصرية تنصلت منها بشكلٍ يهدد الحياة المدنية المصرية، ويهدد السلم المجتمعي، في إرسال الرسائل الواضحة، بمعاقبة من يفكر في معارضة النظام الحالي.
وبالتأكيد هذه الرسائل، إنما تصل بشكلٍ أكثر وضوحًا للمواطن المصرية؛ حتي يعي فكرة مُعارضة النظام بأنها تودي به إلى غيابات ظلم عميق، من نظام أُوسس ليكون قمعي، يتعامل مع جميع الملفات بالعقلية الأمنية، كأداةٍ وحيدة، تُمكنه منه الاستتباب على كرسي الحكم، حتى لو كان ذلك على دماء وحريات شعبٍ، طالما نادى بحريته وكرامته.

إن كرة الثلج تتدحرج بشدة، تتدحرج نحو كوارث لن نستطيع إيقافها؛ فهذا النظام يجري بخطى متسارعة نحو تهديد السلم المجتمعي المصري، والحياة السياسية والمدنية المصرية، إذ يعمل على تكميم الأفواه، بشكلٍ مُخالف للدستور والقوانين والمواثيق الدولية.

وليته نظام ناجح في ملفاته الأخرى، حتى يكون له القدرة على استكمال هذا القمع، دون سخطٍ شعبي، ولكنه “فاشل” في إدارة كافة ملفات الدولة المصرية، السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إننا اليوم -ومنذ عشرات السنوات- أمام نظام عسكري فاشي قمعي، عدو للحرية والديمقراطية، نظام يظن أن إدارة الدولة كما إدارة الكتيبة العسكرية، بالأمر والنهي.نظام لا يعي أن عملية “الاختمار الثوري” باتت على وشك الانفجار، ووقتها لن تكون هناك حصانة لأحد، ووقتها، ستتحول البلاد إلى جميع، نتمنى ألا نعيش لليوم الذي نرى فيه ذلك.
ونسأل الله، أن يقي مصر من شر حفنة لا يريدوا لها الخير ولا الحرية، ولا الديمقراطية ولا التقدم ولا النمو، آملين أن نرى مستقبلًا مشرقًا لمصرنا الجميلة، فاللهم ردنا إلينا مصرنا.
كـم ذا يُـكـابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي فـي حُـبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّـــاقِ
إِنّـي لَأَحـمِـلُ في هَواكِ صَبابَةً يـا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطــواقِ
لَـهـفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً يَـحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقـــي
كَـلِـفٌ بِـمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ بِـالـبَـذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفــــاقِ
إِنّـي لَـتُـطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً طَـرَبَ الـغَـريبِ بِأَوبَةٍ وتَلاقــي
وَتَـهُـزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى بَـيـنَ الـشَمائِلِ هِزَّةَ المُشـــتاقِ

 * أمين عام مؤسسة عدالة
نقلا عن الجزيرة نت 
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق