على القماش يكتب: درس “سعد حلاوة ” يؤكد ان الحقيقة أقوى ألف مرة من أى زيف

فى فبراير 1980 وفور تعيين أول سفير للعدو الاسرائيلى فى مصرطقت الدماء فى عروق ورأس المهندس الزراعى سعد أدريس حلاوة ( 31 سنة ) فحمل حقيبة وبها ميكرفون وجهاز تسجيل وتوجه للاعتصام بالوحدة القروية بقريته أجهور بطوخ محافظة القليوبية ، وأخذ  موظفين رهائن ، وطمأنهم انه ليس فى نيته اطلاقا قتلهم ، بل للفت الانتباه لقضيته ومطالبه .
وفى الميكرفون أخذ يعلن عن مطالبه والتى لم يكن بينها أية مطالب شخصية ، وأن كل احتجاجه على اعتماد سفير لاسرائيل فى مصر ، وان السفير هو الياهو بن اليسار مدبر مذبحة دير ياسين ، وأخذ يهتف بسقوط السادات وحاشيته مع اذاعة أغانى وطنية و خطب للرئيس عبد الناصر
وقد تناولت الصحف الحادث فشوهته تماما ، فنشرت  ” الآخبار ” عن الحادث تحت عنوان ” القاء القبض على معتوه أحتجز موظفين تحت تهديد السلاح ” وذكرت فى الخبر أنه هدد بقتل المحتجزين ان لم تستجب السلطات لمطالبه الشخصية بمنحه الات زراعية  وأجبار أسرته بالتنازل عن أراضى زراعية له وطرد السفير الاسرائيلى .. وأن أجهزة الآمن حاولت التفاهم مع الشاب المجنون الا انه رفض الاستجابة ، وظل يذيع الآغانى والاناشيد ، وعندما هدد بقتل المحتجزين تدخلت الشرطة حيث تم تبادل اطلاق النار ، وأصيب الجانى وأمكن القبض عليه ، بينما نشرت ” الآهرام ” الخبر تحت عنوان ” مزارع مسلح يحتجز موظفين ويرفض الافراج عنهما ” وذكر الخبر نفس ما قالته الآخبار ، بأن مطالبه شخصية وأهمها أن يتنازل أفراد أسرته عن أراضى له لاصلاح أحواله المالية  ، وأن تقدم له الجمعية الزراعية بعض الالات والآسمدة  .. وان الآهالى أستغاثوا بالشرطة والتى حاولت التفاهم معه دون جدوى مما أضطرت لآصابته ( ولم تشر الصحف الى ان الشرطة قتلته )
وأضافت ” الآهرام ” ان والدته أكدت انه مختل عقليا ومصاب بالاكتئاب بسبب فشله فى الدراسة وفى الزواج ، وأنه نتيجة معاملته السيئة لاسرته تسبب فى وفاة والده العام الماضى ..
هذا وقد تناولت كل الصحف الحكومية خبرتعيين سفير لاسرائيل فى مصر ورفع العلم الاسرائيلى بأنه انجاز لتحقيق السلام ، أما عن الحادث فقد أنشغل كتاب المقالات فى الصحف الحكومية بمقالات عن موضوعات تافهة  ،  وتعرض بعضهم لتعيين سفير اسرائيلى بالقاهرة بفرحة مثل الدكتور محمد اسماعيل على و أنيس منصور وصلاح منتصر وابراهيم سعده ، وكتب مكرم محمد أحمد ” ان الواهمين فقط هم الذين يرون بان تطبيع العلاقات بين مصر واسرائيل ، سوف يلحق أفدح الآضرار بالمصالح الحيوية لمصر والمواطن المصرى ، بغض النظر عن أية أرتباطات أو التزامات عربية  ، اما ” اخبار اليوم ” فقد كان رئيس تحريرها ابراهيم سعده يفاخر بما حققته جريدته من انفراد صحفى بنشر صور للسادات فى الحمام وغرفة نومه .. ولم يفته أن يتناول فى عموده ” الموقف السياسى ” حدث رفع العلم الاسرائيلى فى مصر مع توبيخ الجامعة العربية
ولم يشذ عن هؤلاء الصحفيين والكتاب بالصحف الحكومية سوى الكاتب الصحفى أحمد بهجت والذى كتب فى عموده ” صندوق الدنيا ” اليوم تفتح سفارة اسرائيل فى حى من أحياء القاهرة . واليوم أرفع فى قلبى علما لفلسطين العربية . لا أضعه فى شارع من شوارع قلبى ، وانما أضعه فى الميدان الرئيسى فيه .. انتظارا ليوم رفعه على أرض فلسطين المحتلة .. هذه هى القضية باختصار ، وأعتذر عن الترحيب بعلم اسرائيل ، رمز أغتصاب حقوق الشعب الفلسطينى وأرضه ، والى أن يحصل الشعب الفلسطينى الشقيق على حقه . سيظل هذا هو موقفى من العلم الاسرائيلى  ”
أما عن الحقيقة الذى جاءت من خلال تحقيقات صحفية ميدانية للكاتب الصحفى شفيق أحمد على فان سعد حلوة من اسرة كبيرة بل من أكبر العائلات ذات الجذور التاريخية ، وشارك جده فى مناصرة عرابى ، وعمه عمدة القرية منذ سنين طويلة ، وان أمه لم توصمه بالجنون ، وانه كان كريما ومحبوبا ، وليس فى حالة عسر ، ولا يحتاج لآرض لان لديه أرض زراعية كبيرة ، وليس له أى مطلب شخصى ، وكل مطالبه تتلخص فى طرد السفير الآسرائيلى ، وأنه ضد السادات والتطبيع مع العدو الاسرائيلى ، وان قوات الآمن لم تصبه فقط بل قامت بقتله رغم التأكد من عدم وجود سلاح معه وانه جالس القرفصاء غارقا فى دماءه بعد اصابات عديدة بطلقات نارية ، ورغم عدم مقاومته  دخلوا عليه وقتلوه
هذا التوثيق جاء فى كتاب ” من الملف السرى للسادات والتطبيع .. عملية أغتيال سعد حلاوة ” للكاتب الصحفى الكبير شفيق أحمد على ، وقد نشر أحداثه وقتها فى جريدة ” الآهالى ” حيث رفضت مجلة ” روز اليوسف ” التى يعمل بها النشر بصفتها مجلة حكومية
المعنى هنا .. أن مهما حاول كتاب أى نظام التعتيم على الحقيقة ، وتشويه أى رأى مخالف ، فان الحقيقة حتما سوف تظهر ، بل سوف تظل مطبوعة فى وجدان الوطن والوطنيين بأقوى ألف مرة ومرة من أى زيف  .. ومن يقرأ تاريخ أصحاب الرأى وما لاقوه وقتها من تشويه السلطات لهم ، ومنهم محمد كريم وعمر مكرم والطهطاوى و عبد الله النديم والافغانى ومحمد فريد وأحمد حلمى وعلى الغاياتى وعبد العزيز جاويش والعقاد وأحمد حسين وبيرم التونسى ومحمد التابعى وعبد القادر حمزه وابراهيم الزيادى وفتحى رضوان واحسان عبد القدوس وابراهيم شكرى وحلمى مراد  وغيرهم وغيرهم ، فقد أنصفهم التاريخ الحقيقى للوطن رغم السلطة وكتابها .. فالحقيقة أقوى ألف مرة ومرة من الزيف
تيران وصنافير مصرية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق