علي أنوزلا يكتب: حتى لا ننسى صحافيي زنازين السيسي

 

سياسة القمع والتضييق على الحريات، وفي ظل أزمة اقتصادية تزداد سوءاً، وأمام انكشاف عدم كفاءة قائد الانقلاب، وتخبط سياساته الداخلية والخارجية التي جعلته يعيش في شبه عزلةٍ إقليمية، كلها عوامل تدعو إلى ضرورة دق ناقوس الخطر.

مثل، أول من أمس، (15 أغسطس/ آب الجاري)، المحامي والناشط الحقوقي، جمال عيد، أمام محكمةٍ في القاهرة بتهمة تلقي أموالٍ من منظمات أجنبية، بغرض تشويه صورة مصر في الخارج، وتنفيذ أجندة خارجية، وهي تهمةٌ قديمةٌ جديدةٌ، دأبت جميع الأنظمة الاستبدادية على تلفيقها لجميع مناصري الحرية في كل الأمكنة والأزمنة.

تهمة جمال عيد الحقيقية مناصرته حرية الرأي والتعبير، ليس في مصر وحدها، وإنما في العالم العربي وفي العالم، وهو ما استحقّ عليه بجدارة جوائز عالمية عديدة. فجمال عيد هو مؤسس “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان” التي تعتبر من أعرق المنظمات، وأكثرها جدية ومصداقية، التي ترصد منذ سنوات الخروق والتجاوزات التي تطال حرية الرأي والتعبير في عالمنا العربي، وتنظم الحملات الدولية للترافع من أجل إطلاق سراح الصحافيين ومعتقلي الرأي وإسقاط التهم والمتابعات عن الملاحقين في أوطانهم بسبب آرائهم.
تهمة جمال عيد، في حالة الإدانة، ستجعله يختفي وراء القضبان وإلى الأبد. وبذلك، تكون السلطة الانقلابية في مصر قد نجحت في إخراس صوتٍ آخر من أصوات الحرية في بلاد الكنانة، في سعيها إلى تدجين المجتمع المصري، وقمع كل الأصوات الحرة داخله.
محاكمة جمال عيد، على الرغم من رمزيتها لكل المدافعين عن حرية الرأي والتعبير ومناصري الحرية، إلا أنها تبقى مجرّد نقطةٍ في بحر من الانتهاكات التي ارتكبتها سلطة العسكر في القاهرة، منذ انقلبت على أول نظام شرعي مدني ديمقراطي عرفته مصر. فإلى جانب جمال عيد، مثل أمام المحكمة صحافي التحقيقات والناشط الحقوقي، حسام بهجت، ومتهمون آخرون. وقبل هذه المحاكمة، اغتيل صحافيون ومدافعون عن حرية الرأي والتعبير برصاص العسكر وتحت جنازير الدبابات، أو اختناقا في الزنازين الضيقة، كما اعتقل وما زال يُعتقل آلاف من الأبرياء، من بينهم صحافيون مستقلون ومناصرون أحرار للحرية والديمقراطية.
هناك اليوم عشرات من الصحافيين ومئات من الناشطين الحقوقيين ومناصري الحرية، الذين تعج بهم زنازين النظام العسكري في مصر، في أوضاع صحية مزرية، يعانون من التعسف على أبسط حقوقهم، بوصفهم سجناء رأي وكلمة حرة، ويتعرضون يومياً للانتهاكات التي تمس كرامتهم وتحطم معنوياتهم. ففي العام الماضي، 2015، احتلت مصر المرتبة الثانية بعد الصين، من حيث عدد الصحافيين المعتقلين، وربما لا تضاهيها اليوم في هذا الرقم القياسي سوى تركيا، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.
وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، في 3 مايو/ أيار الماضي، نشر الصديق والزميل،
كارم يحيى، تقريرا عن حرية الصحافة في مصر، أشار فيه إلى وجود أكثر من مائة صحافي وإعلامي معتقل في السجون، على خلفية قضايا جنائية ملفقة، كما وضع اليد على سياسة الإفلات من العقاب التي تحمي المتورطين في الجرائم والانتهاكات ضد الصحافة. ففي كل التحقيقات التي قامت السلطات المصرية بمباشرتها في جرائم قتل صحافيين، يُعتقد أنهم قتلوا برصاص الجيش والشرطة، لم يقدّم أي شخص للمحاكمة، ولم تُكشف حقيقة مقتل هؤلاء الزملاء حتى يوم الناس هذا. ووفق أحدث تقرير صادر عن نقابة الصحافيين المصريين برسم العام الجاري، هناك نحو 27 صحافيا رهن الاحتجاز في قضايا رأي.والقتل والاعتقالات ما هي سوى الوجه البارز والبشع لسياسة القمع، التي تقودها السلطة العسكرية الحاكمة في القاهرة، لإخماد كل الأصوات الحرة، يضاف إلى ذلك سياسة الترهيب والتخويف والتمييع التي ينهجها النظام لتكميم الأفواه وشراء أصحاب الذمم الرخيصة. فقد عاد النظام إلى ممارساتٍ عفا عنها الزمن، من قبيل الاختطاف، والاختفاء القسري، وطرد الصحافيين الأجانب، وزوار الفجر، ومداهمات البيوت ومقرّات العمل، بل وطاولت هذه المداهمات حتى مقر نقابة الصحافة المصرية، في سابقةٍ لم تشهدها أحلك أيام مصر في العهود البائدة من زمن الاستبداد.
وقد جعلت هذه الممارسات منظمة “مراسلون بلا حدود” تصنف مصر في عام 2015 ، في مجال احترام حرية الصحافة، في المرتبة 159 بين 180 دولة. وكتبت أخيراً، مجلة “ذي إيكونوميست”، وهي المعروفة بجديتها ورصانتها، “إن السيسي الذي انقلب على الرئيس محمد مرسي في سنة 2013 هو أكثر قمعاً مما كان عليه الرئيس المخلوع، حسني مبارك، الذي أطاحته الثورة المصرية، وأقل كفاءة من محمد مرسي”. وحذّرت المجلة التي كتبت إن النظام المصري الحالي يحتضر بسبب سياسة القمع، وعدم كفاءة الحاكمين، والأزمة الاقتصادية، من الانفجار المقبل لا محالة، والذي سيجعل الواقع المصري أكثر مأساوية.
لا أحد يتمنى لمصر هذا المصير الذي تنبأت به المجلة البريطانية، لكن سياسة القمع والتضييق على الحريات، وفي ظل أزمة اقتصادية تزداد سوءاً، وأمام انكشاف عدم كفاءة قائد الانقلاب، وتخبط سياساته الداخلية والخارجية التي جعلته يعيش في شبه عزلةٍ إقليمية، كلها عوامل تدعو إلى ضرورة دق ناقوس الخطر. فما استهداف النظام العسكري في مصر الصحافيين والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير، إلا محاولات يائسة لإخراس آخر الشهود على جرائمه، التي لن يمحوها التقادم.

نقلا عن العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق