فورين بوليسي: حكاية شاب اسمه “الفخراني” مارس أخطر مهنة في مصر.. وهذا هو الثمن الذي يدفعه

كريستين تشيك هي صحفية مقيمة في كوسوفو وتكتب عن منطقتي البلقان والشرق الأوسط، جمعتها الأحداث قبل 6 سنوات بشاب مصري يدعى “عبدالله الفخراني”… ست سنوات قد لا تكون غيَّرت في حياة كثيرين الكثيرَ، ولكنها كانت مختلفة بالنسبة لطالب الطب الذي وقع في حب عابر للحدود.

وفي مقالها المنشور بمجلة فورين بوليسي الإثنين 16 يناير/ كانون الثاني 2017، تروي كريستين عن تلك السنوات الست، التي امتزجت فيها الأحداث الشخصية للفخراني بالأحداث العاصفة في وطنه، فلا تدري أهي قصة إنسان، أم قصة جيل، أم حكاية وطن؟

social media

فإلى نص المقال:

قابلت عبد الله الفخراني في اليوم الأول من الثورة المصرية ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك في يناير/ كانون الثاني 2011. كان الوقت عصراً في ميدان التحرير، والشرطة تهاجم المتظاهرين. وقنابل الغاز المسيل للدموع تُلقى بشكل مُقوّس في الهواء قبل أن تسقط بين الحشود. ركضت، ولكن ليس بالسرعة الكافية. تركني الغاز مترنحة والدموع تنهمر على وجهي.
وبينما كنت ألهث محاولاً التقاط أنفاسي؛ ظهر شاب بجواري وساعدني في الهرب بعيداً عن الدخان، وسلمني كوفيته ذات اللونين الأبيض والأسود، وأومأ لي بأن ألفها حول رأسي لأغطي أنفي وفمي.
وحينما استعدت قدرتي على الحديث مجدداً، سألته لماذا استجاب الكثيرون لدعوة التظاهر. صاح الفخراني حينها ليجعل صوته مسموعاً وسط الصيحات المتعالية من حولنا، ولشعوره بالإثارة أيضاً. قائلاً “هذه هي نتيجة الضغوط التي تراكمت بداخلنا جراء الفساد، والقمع، وغياب الحرية”.
سقطت المزيد من قنابل الغاز المسيل للدموع بالقرب منا، وهرولنا بعيداً عنها. كان شعر الفخراني كثيفاً ومجعداً، وكانت لديه لحية خفيفة على خديه. أخبرني أنه كان يدرس الطب في جامعة عين شمس إلا أنه وجده غير مُرضٍ له. كنت أغطي التظاهرات، وقبل أن أغادر لأكتب ما شاهدت أعدت إليه كوفيته.
عثر الفخراني على حسابي على فيسبوك في اليوم التالي، وعلى مدى الأشهر القليلة التالية تقابلنا مراراً. عادة ما كنت أعثر عليه في المستشفى الميداني خلال التظاهرات، إذ كان يستخدم ما تعلمه في تدريبه الطبي لمعالجة الجرحى.
مدفوعاً بالرغبة ليكون جزءاً من التغيير الذي يجتاح بلاده، شرع الفخراني في العمل مع مبادرة ناشئة لصحافة المواطن تدعى “رصد”. بدأت المبادرة كصفحة على موقع فيسبوك في عام 2010، كمحاولة لتحدي رؤية نظام مبارك التي سيطرت على وسائل الإعلام. ونمت بسرعة لتتحول إلى خدمة إخبارية لديها ملايين من المتابعين والفروع في بلدان أخرى.
وبعد مرور ست سنوات، يجلس الفخراني في زنزانة شمالي القاهرة. وقد حُكم عليه بالسجن المؤبد في 2015، ويخضع الآن لإعادة المحاكمة بتهمة نشر معلومات كاذبة، والانتماء إلى جماعة محظورة “وتشكيل غرفة عمليات لتوجيه جماعة الإخوان المسلمين لمقاومة الحكومة”. وقد أصابه اليأس بعدما قضى أكثر من ثلاث سنوات خلف القضبان، ويواجه الآن احتمالية البقاء في السجن لعقود. وهو محتجز في سجن وادي النطرون حيث يستمر وضعه الصحي في التدهور.

أن تكون صحفياً في مصر

يعد الفخراني واحداً من بين 25 صحفياً -على أقل تقدير- معتقلين حالياً بسبب ممارسة وظيفتهم في مصر، وفقاً للجنة حماية الصحفيين CPJ.
بعد خلع عبد الفتاح السيسي لمحمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في انقلاب عسكري في 2013، شنَّ أقسى الحملات القمعية التي شهدتها مصر على الصحافة منذ عقود. إذ قامت السلطات بمداهمة وإغلاق العديد من قنوات التلفزيون، وفرضت الرقابة على الصحف، واعتقلت الصحفيين تعسفياً. كما قتل سبعة صحفيين، قتل ستة من بينهم جراء إطلاق النار عليهم في أثناء تغطيتهم للمظاهرات من قبل قوات الأمن بشكل مؤكد، فيما قام جنود الجيش بإطلاق النار على الصحفي السابع عند نقطة تفتيش، وفقاً للجنة حماية الصحفيين CPJ.
يلقى المراسلون خلف القضبان اهتماماً ضئيلاً. ويتلقى من هم مثل الفخراني، الذين كانوا يعملون لصالح وسائل الإعلام المتعاطفة مع مرسي وجماعة الإخوان اهتماماً أقل من ذلك بكثير. فبخلاف صحفيي الجزيرة الذين اعتقلوا سابقاً -وكان لدى اثنان منهم جنسية أجنبية- لا توجد حملة عالمية لإطلاق سراحه، لا يوجد محامٍ مشهور، ولا تصريحات من الدبلوماسيين بالنيابة عنه.
كتب الفخراني في رسالة من سجنه نشرت في 2015 “لقد كنت ساذجاً، على الأقل في الأيام الأولى من اعتقالي”، وتابع “ظننت أن العالم سيهبُّ للدفاع عني”.

قلب سخي

في الشهور التي تلت الثورة، كثيراً ما قابلت الفخراني صدفة في المظاهرات، وأحياناً كنا نلتقي في بعض المقاهي للتحدث بشأن حالة الثورة المصرية. كان متحمساً ومتفائلاً، على الرغم من المؤشرات المتزايدة لعدم اهتمام المجلس العسكري الذي حل محل مبارك بالإصلاح الديمقراطي في مصر.
ولم يكد يمضي على تعارفنا سوى أربعة أشهر حينما اختبرت سخاء الفخراني للمرة الثانية. في مايو/ أيار 2011، هاجم مجموعة من الغوغاء كنيسة في إمبابة، وهي منطقة مكتظة بالأزقة الضيقة في الجانب الغربي من القاهرة. كان المزاج العام لا يزال متوتراً في المنطقة في اليوم التالي، وبينما عملت على تغطية ما يحدث مع اثنين من زملائي، بدأ رجلان في تعقبنا.
استشعرنا ازدياد خطورة الموقف، ولكن قبل أن نعثر على مكان آمن تضاعف الرجلان إلى حشد من الناس، وبدأ سلوك الحشد يتخذ منحى عنيفاً. وفي الوقت الذي كانوا فيه يصرخون في وجوهنا ويحاولون الإمساك بنا، لجأنا إلى ركن ما، ووجدنا صفّاً من الجنود المنتشرين لتأمين المنطقة. سمحوا لنا بشق طريقنا للمرور، وكنا بمأمن للحظتها.
إلا أنني كنت ما زلت محاصراً في إمبابة، وسيكون من الصعب الخروج منها بمفردي. هاتفت الفخراني وشرحت له الموقف. فقال لي “ابقي هناك”، وتابع “أنا قادم إليكِ في الحال”. وخلال نصف ساعة، وصل الفخراني واصطحبنا إلى بر الأمان.
يمتلك معظم أصدقاء الفخراني حكايات مشابهة. وقد وفرّت له شخصيته المغناطيسية شبكة واسعة كانت مفيدة للشبكات الإخبارية الناشئة، مثل شبكة رصد. كان الدور الرئيسي الذي لعبه الفخراني يكمن في إيصال الشبكة بالمجموعات الخارجية، مثل وكالات الأنباء التركية والألمانية، التي دربت الصحفيين المبتدئين وعملت معهم. كما كان يسافر عادة لحضور مؤتمرات ودورات تدريبية في الخارج.
أرسل الفخراني معلوماتٍ حول تحديثات أوضاع التظاهرات والتطورات الأخرى في مصر، التي كانت تُنشر على منصات رصد عبر تويتر وفيسبوك وعبر الرسائل النصية للمشتركين في الخدمة. وسرعان ما صار عضواً في فريق رصد الأساسي، حتى مع استكماله لدراساته الطبية. كان يعمل بحماس وبابتسامة كبيرة في المعتاد. قال خالد نور الدين، أحد مؤسسي رصد والمدير التنفيذي للشبكة “كان دائماً ما يأخذ بزمام المبادرة، ويحاول المضي قدماً وطرْق جميع الأبواب”.
كانت رصد تنمو بسرعة. بحلول ثورة 2011، كان عدد فريقها الأساسي قد وصل إلى 22 عضواً يعملون على نشر تحديثات من متطوعين حول البلاد، ووصل عدد متابعيهم الإجمالي عبر البلاد إلى ما يقرب من 300-400 متابع على موقع فيسبوك. وقد ارتفع هذا العدد ليصل إلى حوالي 4 ملايين متابع قبيل الانقلاب العسكري الذي وقع في يوليو/ تموز 2011، حسب ما قال نور الدين.
تمتلك الصفحة في الوقت الحالي أكثر من 10 ملايين متابع وتعمل في الخفاء، إذ يعيش نور الدين في تركيا، والمراسلون في مصر لا يستخدمون أسماءهم. فيما قال نور الدين إن تسعة، على أقل تقدير، من صحفيي رصد يقبعون في السجن في الوقت الحالي، على الرغم من أن خمسة فقط ارتبطت أسماؤهم علانية بالشبكة.

انتمى بعض من فريق رصد إلى جماعة الإخوان المسلمين. إلا أن الفخراني أخبرني أنه لم يكن عضواً في الجماعة، وهو ما أكده نور الدين. وقال إن رصد ليس لديها ارتباط بالجماعة فيما عدا الارتباطات الشخصية لبعض أفراد الفريق. إلا أن تغطية رصد كانت متعاطفة بلا حرج مع الأحزاب الإسلامية، التي سيطرت على الانتخابات في مصر بعد الثورة، كما كانت متعاطفة مع مرسي أيضاً.

كان محمد مرسي هو أول رئيس منتخب في انتخابات حرة في تاريخ مصر، بعد فوزه بفارق ضئيل عام 2012 على مرشح يرتبط اسمه بالنظام المخلوع للرئيس مبارك. وقد جاء فوزه بعد عملية كبيرة من الاستيلاء على السلطة عن طريق الجيش، التي ضمت حلّ البرلمان الذي قاده الإسلاميون. لكن القيادي الإخواني، الذي صار رئيساً للبلاد، اتسم حكمه بالطموح والتطلع الزائد عن قدراته وعدم الكفاءة، كما زاد من حدة الموقف العداءُ الذي أكنّته له مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام الرئيسية. تسببت خطاباته، واللغة الطائفية التي تحدث بها بعض من كبار مؤيديه في نفور غير الإسلاميين. وبحلول صيف 2013، كان محاصراً بشدة، وكانت وسائل الإعلام المصرية مُستقطبة مثلها مثل الجمهور.

الحب على خط النار

بينما كانت البلاد تختار أحد الجوانب من حولها، وقع الفخراني في الحب. في ورشة عمل بوكالة أخبار رصد، عن استراتيجية وسائل الإعلام الاجتماعية في مايو/ أيار 2013، التقى امرأة شابة كانت قد سافرت لحضور الدورة من موطنها في بلد عربي آخر.
وسرعان ما فُتن الاثنان ببعضهما البعض. وجدت الفخراني ذكياً وذا عقل منفتح ويحترم النساء، وأحبت كيف كان “دائم الابتسام”. كان الفخراني “مفتوناً” كما قال محمد سلطان، الناشط الذي كان مسجوناً إلى جانب الفخراني لأكثر من سبعة أشهر.
توثقت العلاقة بين الاثنين بسبب حبهما لتعقيدات اللغة العربية، كما قال، وشغفهما الغض بالتغيير الديمقراطي في مصر. وسرعان ما كانا يخوضان أحاديث مطولة كل يوم بعد انتهاء دروس الدورة، كما قالت المرأة، التي طلبت أن تظل هويتها سرية لأن أسرتها لا تعرف حتى الآن بالعلاقة بينهما.
قبل يوم من مغادرتها القاهرة، فاجأها الفخراني بعرض الزواج. لكنها لم تمنحه جواباً في حينها. ولكن بعد أن سافرت إلى وطنها، استمر الحديث بينهما يومياً، ووضعا خططاً لحضور الفخراني ومقابلة عائلتها في أغسطس/ آب 2013، وهي خطوة ضرورية لكي يطلب من والدها يدها للزواج.
لكن الحالة السياسية المصرية لم تسمح بإتمام هذه المقابلة. في نهاية يونيو/ حزيران 2013، تظاهر مئات الآلاف من المصريين في جميع أنحاء البلاد، مطالبين باستقالة مرسي. وبعد أيام، سيطر السيسي -وزير دفاع مرسي حينها- على البلاد.
رحب الكثير من المصريين باستيلاء الجيش على السلطة، محتفلين بهذا، ووصفوا ما حدث بأنه ليس انقلاباً ولكن ثورة، واصفين أنصار مرسي بأنهم إرهابيون. اعتبر الفخراني ما حدث ضربة قاصمة للديمقراطية في مصر، وكانت تغطية رصد تنتقد الانقلاب بشدة.
تكوّن مُعسكرا احتجاج كبيران في العاصمة، وأمتلأ كل منهما بآلاف المحتجين الذين تعهدوا بالبقاء حتى عودة مرسي. الكثير -وليس الجميع- من المتظاهرين كانوا من الإسلاميين، وكان الخطاب على المنصات التي أقيمت في الاعتصامات في كثير من الأحيان نارياً وطائفياً، ففي بعض الأحيان يلوم المسيحيين على الانقلاب ويلمّح للعنف إذا لم يعد الرئيس. وكان أعضاء من الحزب السياسي التابع لجماعة الإخوان المسلمين -التي أصبحت تحت الحصار من النظام الجديد- يكوّنون الدعائم الأساسية في الاعتصامات.
ساعد الفخراني على نقل مقاطع الفيديو من أكبر مخيم للاعتصام بميدان رابعة العدوية. شعر هو وسلطان بأن وسائل الإعلام الأجنبية تصور خطأً أن المتظاهرين هم من أنصار الإخوان الغاضبين، بدلاً من كونهم مواطنين مصريين محتجين على استيلاء الجيش غير الديمقراطي على السلطة. كان سلطان مواطناً مصرياً أميركياً مزدوجَ الجنسية، نشأ في الولايات المتحدة، وليس عضواً في الإخوان، على الرغم من أن والده كان أحد كبار القادة بها. تحدث الفخراني مع الصحفيين الأجانب الذين كان يعرفهم وحثهم على تغطية الاحتجاجات بشكل عادل، حسبما قال سلطان.
في 14 أغسطس/ حزيران من عام 2013، شنَّت قوات الأمن هجوماً على معسكر اعتصام رابعة العدوية استمر لمدة 12 ساعة، وقُتل فيه على الأرجح أكثر من 1,000 شخص، معظمهم من المتظاهرين العزل، وفقاً لتقرير هيومن رايتس ووتش. كان الفخراني حاضراً في هذا الهجوم، وخرج في وقت متأخر من ذلك اليوم، وأصيب إصابة خفيفة بشظية في ذراعه. كان قد شهد أسوأ ما في المذبحة، وقال شقيقه عبد الرحمن -تراكمت مئات الجثث بينما سعى بجد أولئك الموجودون بالميدان للبحث عن مخرج، فقط ليجدوا جميع المخارج تحت خط النار من قبل قوات الأمن.
كان النظام الجديد قد أعلن الحرب على الإخوان المسلمين وأي شخص يتحدث ضد الانقلاب. وشرع في حملة اعتقالات واسعة النطاق، معتقلاً قادة وأعضاء الإخوان، والصحفيين المؤيدين للإسلاميين، والمحتجين والناشطين.
قضى الفخراني وسلطان 10 أيام بعيداً عن منزليهما في محاولة لتجنب حملة الاعتقالات. هما ومعهما اثنان آخران -سامح مصطفى وهو أيضاً عضو في رصد ومحمد العادلي من قناة أمجاد- ظلوا معاً في شقق اعتقدوها آمنة. كان الفخراني يجمع صوراً ومعلومات عن عمليات القتل في رابعة للشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان.
في نهاية المطاف سقطوا بسبب سعي سلطان للحصول على ملابس داخلية نظيفة.
في حين اشترى الآخرون من المجموعة ملابس جديدة بينما كانوا يفرون، لم يعرف سلطان مقاسه في مصر، فقد نشأ وعاش في الولايات المتحدة ولم يحضر إلى مصر إلا في الصيف. غامر الأربعة بالذهاب إلى شقة والد سلطان لالتقاط بعض الملابس النظيفة. لكن كان توقيتهم سيئاً: بينما كانوا هناك، داهمت الشرطة المنزل للبحث عن والد سلطان. لم يكن والده في المنزل، ولكن ضباط الشرطة كانوا راضين بغنيمتهم المكونة من الشبان الأربعة.
عندما رأت خطيبة الفخراني الأخبار في منشور على فيسبوك من أحد أصدقاء الفخراني -قبل حوالي أسبوع من الوقت المقرر له أن يلتقي بعائلتها- لم تصدق ما رأته في البداية. وقالت: “بعد ذلك بدأت أفكر، كم يوماً سيستغرقه الأمر؟”. وأضافت “كنت أفكر، هل ذهب وراء الشمس؟” مستخدمة العبارة العربية التي تصف حال من أخفته الدولة دون وجود أثر يذكر له.
قبل بضعة أيام، أعطاها الفخراني كلمات السر لحساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، في حالة وقوعهم في مثل هذا الوضع. تم الأمر مساءً. فتحت جهاز الكمبيوتر المحمول، وضغطت على إلغاء تفعيل حساباته واحداً تلو الآخر لمنع الشرطة من استخدام التصريحات التي كتبها في تلك الصفحات ضده. وقالت “بعد ذلك، بدأت في البكاء حتى شروق الشمس”.

خلف القضبان

بعد ما يقرب من ستة أشهر على اعتقال الفخراني، وبينما أتصفح الفيسبوك الخاص بي رأيت منشوراً من حسابه. كنت مذهولاً. كنت أتابع قضيته في وسائل الإعلام، وكان لا يزال محتجزاً في الحبس الاحتياطي. لذلك تساءلت كيف كان يضع منشورات على الفيسبوك.
وسرعان ما كتبت رسالة أسأله عما إذا كان قد أُفرج عنه. أجاب بعد ستة أيام. كتب “كلا، ما زلت في السجن”، مع وجه تعبيري مبتسم. وقال “لدي هاتف ذكي في الزنزانة”.
لم أكن مقتنعاً إنه حقاً هو، وتساءلت عما إذا كانت أجهزة الأمن المصرية قد استولت على حسابه. بدأ الفخراني بإعطائي دليلاً، وذكر لقاءنا في مقهى معين ذات مرة. لم يكن ذلك كافياً. كتب “ماذا أيضاً. الحصان في ميدان التحرير، أثناء موقعة الجمل”.
بالعودة إلى فبراير/ شباط 2011، كان النظام قد أرسل رجالاً يركبون الجمال والخيول لاقتحام ميدان التحرير في محاولة لإبعاد المتظاهرين. كانت محاولة غير ناجحة، وفي اليوم التالي التقيت الفخراني هناك. في زقاق مظلم بالقرب من المستشفى الميداني وجدنا حصاناً، من بقايا هجوم اليوم السابق. بدا الحيوان متعباً، ورأسه يتدلى نحو الشارع. داعبت أنف الحيوان أنا والفخراني، وشعرنا بالأسف نحوه.
صدّقت أخيراً أنني كنت أتحدث حقاً مع الفخراني، وبدأنا الدردشة. وكان متقبلاً للواقع فيما يتعلق بوضعه وكانت عباراته مليئة بالرموز التعبيرية.
ووفقاً لسلطان، فقد حافظ على تفاؤله المميز وسخائه طوال الأشهر السبعة التي سُجنوا فيها معاً. وكانت قوات الأمن قد أطلقت النار على سلطان خلال فض رابعة العدوية، وكسرت ذراعه. خلال “حفل الترحيب”، وهو الاسم الذي يُعرَف به ضرب الشرطة للمعتقلين الجدد في مصر، حاول الفخراني استخدام جسده لحماية رفيقه المصاب.
قال سلطان “كنا حرفياً على الأرض، بينما يدوسون علينا ويضربوننا، وأنت تحاول تلقائياً اتخاذ وضعية الجنين، في محاولة لحماية أعضائك الرئيسية ورأسك”. وتابع “عبد الله كان يتحرك هنا وهناك لتلقي بعض الضربات حتى لا تنزل على ذراعي”.
كان الفخراني بارعاً في التواصل مع السجناء والحراس على حد سواء، للفوز بالقليل من وسائل الراحة لنفسه ورفاقه في الزنزانة. حصل بنجاح على هواتف مهربة ونفذ خطة جريئة لتأمين زوج من الكماشات اللازمة لعملية جراحية بدائية للتخفيف من آلام مبرحة في ذراع سلطان. وكان معروفاً بحسن استقبال السجناء الجدد وإيجاد سبل لتوفير الضروريات الأساسية التي يحتاجون إليها.
بعد حوالي شهر من اعتقاله، أرسل الفخراني أولى رسائله النصية إلى خطيبته، وأرسل لها سطراً من أغنية إسلامية قديمة “على الرغم من أن القدر فرقنا، القلب أرضك، يتوق الحب لك”.
في وقت لاحق من تلك الليلة، اتصل بها. فقالت له لأول مرة “اشتقت لك”. ضحك الفخراني قبل أن يرد “هل كان يجب اعتقالي حتى تقولي لي إنكِ اشتقتِ إليَّ؟” عندما أُلقي القبض عليه، على الرغم من أنها لم تكن قد قبلت بعد الزواج منه، إلا أنها اتخذت قراراً سريعاً بالتمسك به. وفي وقت لاحق، قررت أنها تريد أن تتزوجه.
وقالت لي “إنه خياري”.
أثناء تلك الأشهر الأولى، كان يتصل بها مرة واحدة في الأسبوع، حين استأجر هو ورفاقه في الزنزانة هاتفاً محمولاً مهرباً من سجين آخر بما يعادل خمسة وأربعين دولاراً لليلة الواحدة. “كان دائماً ما يقول إنه سوف يخرج قريباً”، كما ذكرت. “خاصة لأنه صحفي، وكان يعتقد أن كل المنظمات ووسائل الإعلام لن تكتفي بالسكوت عن ذلك”.
وبحلول فبراير/ شباط عام 2014، تمكن الفخراني ورفاقه في الزنزانة من الحصول على هاتفين لمشاركتهما فيما بينهم، وبدأ يتصل بها يومياً. لم يخلُ هذا من المخاطر: ذات مرة، عندما اكتشف الحراس الهاتف قضى عشرة أيام في عنبر التأديب، حيث كانت الزنزانة المخصصة للحبس الانفرادي مزدحمة بعشرة سجناء، بالإضافة إلى منع الملابس والبطانيات، والأسِرة، ويعطى فقط دلواً للمرحاض.
ولكن بالنسبة للفخراني، كان الأمر يستحق ذلك. ففي الأشهر الأولى من الاعتقال، وفقاً لسلطان، أصابه الكرب حول ما إذا كان عليه إنهاء العلاقة لتجنيب خطيبته المجهول بارتباطها بشخص يواجه احتمالية السجن لعقود. وأضاف سلطان أنه كان يعرف أن إنهاء العلاقة هو الشيء المنطقي الذي عليه القيام به. “لكنه لم يكن يجرؤ على القيام بذلك. حاول، تحدث معها، لكنه لم يستطع. وكانت تحبه كذلك بشدة”.

حجز وسائل الإعلام

تُعرف قضية الفخراني في وسائل الإعلام المصرية باسم “غرفة عمليات رابعة”. ويُحاكَم الفخراني مع ٥٠ شخصاً آخرين يُمَثِّلون خليطاً من أصحاب الخلفيات والانتماءات المختلفة، بما في ذلك خمسة صحفيين آخرين على الأقل، وكبار قادة جماعة الإخوان المسلمين، مثل محمد بديع، المرشد العام للجماعة.
وكانت عملية إدراج قيادات الإخوان في قضية الصحفيين مُحاولة واضحة من قِبَل النظام لتوريط الصحفيين في القضية، في خضم جنون مُعاداة الإخوان الذي ساد مصر عقب الانقلاب.
قالت ياسمين الرفاعي، التي كانت حتى وقت قريب، ضمن كبار الباحثين المُشاركين في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الخاص بلجنة حماية الصحفيين “إدراج أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في قضية الصحفيين ساعد كثيراً في تشكيل الرؤية التي ينظر بها الجمهور حيال المحاكمة. أعتقد أنهم اعتمدوا نوعاً ما على أنه سيضيع وسط حالة الصخب والتخبط التي سادت بسبب حملة القمع التي أعقبت ذلك”.
أصدر القضاء المصري في المحكمة، قراراً بحظر جماعة الإخوان المسلمين في سبتمبر/ أيلول من عام 2013. ومنذ ذلك الحين، بدأت الحكومة في إلصاق اتهامات الانتماء للجماعة دون تمييز بين الصحفيين والمعارضين السياسيين، وذلك وفقاً لما أعلنته لجنة حماية الصحفيين.
واتُّهِم الفخراني بالانتماء للجماعة المحظورة، بالإضافة إلى تهمة نشر أخبار كاذبة، وحيازة جهاز اتصال لاسلكي، وتشكيل “غرفة عمليات” لتوجيه جماعة الإخوان للعمل ضد الحكومة خلال عملية فض اعتصام رابعة العدوية.
ومثلها مثل المحاكمات السياسية الأخيرة في مصر، لم يُقدم الادعاء دليلاً لإثبات التُّهَم المُوَجَّهة للمتهمين، والذي لم يحدث إلا فارقاً ضئيلاً في القضية. الدليل الوحيد الذي قدمه الادعاء ضد الفخراني هو سِجِل استجوابه من قبل ضباط أمن الدولة. شكّلت المحكمة لجنة فنية من الخبراء لتقييم الصور ومقاطع الفيديو التي ادعت النيابة أنه تم تلفيقها، ووجدت اللجنة أنه لم يتم تزوير أي منهم.
وكان ناجي شحاتة هو القاضي الرئيسي المُكلّف بالنظر في جلسات الدرجة الأولى من القضية، وهو قاضٍ معروف، وسيئ السمعة، وهو من أصدر أحكام الإدانة في قضية صحفيي قناة الجزيرة، كما أصدر أحكام الإعدام ضد مجموعة متعددة من المعارضين.
وقالت ياسمين الرفاعي، بينما كان المحامون يقدمون حجج الدفاع “كان شحاتة يدلي بتصريحاته التي يقول في جوهرها، إنه يعتقد أن هؤلاء المتهمين مذنبون”. وأضافت قائلة، “هذا يعطيك مؤشراً على مستوى الظلم الذي كان مُتَفَشِّياً في محاكماته”.
لم ينتظر شحاتة حتى ينتهي جميع المتهمين من تقديم حجج الدفاع الخاصة بهم، وأصدر حكمه في أبريل/ نيسان من عام 2015، الذي قال فيه إنه وجد 51 من المتهمين مذنبون. وصدر الحكم بالإعدام ضد 14 شخصاً، من بينهم بديع، ووالد محمد سلطان، وذلك لتخطيطهم القيام بهجمات ضد الدولة. أما الباقون، بما فيهم الفخراني، فصدر ضدهم حكم بالسجن مدى الحياة، مما يعني 25 عاماً في القضاء المصري.
كتبت للفخراني رسالة نصية من خلال تطبيق فيسبوك ماسنجر، بعد صدور حكم الإدانة. وصلني منه الرد، مصحوباً بتعبيرات الوجه المُبتسمة قائلاً “على الأقل لدي إمكانية الاتصال بالإنترنت”. وأضاف “لن أتوقف عن القتال… وفي النهاية سأحصل على حريتي بكل تأكيد. إما بعد سنة، أو اثنتين، أو ثلاث… ولكنني سأصل إليها.. وذلك لأن مُحاكمتي كانت صورية ووهمية. لم يَكُن هُناك دليل مؤَكَّد على أي من الاتهامات، ولذا سيتم إلغاء الحُكم بعد الاستئناف، بكل تأكيد”.
كان الفخراني على حق بصورة جزئية. ففي شهر ديسمبر/ كانون الأول من عام 2015، ألغت محكمة استئناف القاهرة الأحكام بسبب عدم كفاية الأدلة، وأمرت بإعادة المُحاكمة. وقال مُحاميه، أحمد حلمي، في المُحاكَمَة الجديدة التي بدأت في شهر فبراير/ شباط من عام 2016، إن النيابة لم تُقَدِّم أي دليل ضد الفخراني، سوى سجل استجوابه.

أجمل أيام حياتك

يعيش والدا الفخراني في شقة بالطابق الخامس في مبنى يقع على هضبة صحراوية خارج القاهرة. عندما زرتهما في فبراير/ شباط عام 2016، كانت والدته تستعد لزيارته في اليوم التالي. كان المطبخ تسوده الفوضى بعد يوم كامل من الطهي استعداداً لزيارة السجن. غالباً ما يعتمد السجناء على وجبات الطعام التي تقدمها الأسر، وفي العادة يُحضر والدا الفخراني ما يقرب من 10 كيلوغرامات من اللحم أو دستة من الدجاج المشوي لإطعام ابنهما ورفاقه في الزنزانة. كانت كميات كبيرة من اللحم تُطهي في وعاء على الموقد، بينما الأطباق تملأ الحوض.
كان والده، أحمد، يرتدي قبعة من الفرو ويفرك يديه معاً اتقاءً للبرد. كانا قد أحضرا ملابس ثقيلة لابنهما ورفاقه في الزنزانة في إحدى زياراتهم الأخيرة. قال “قال الحراس: هذه الملابس لطيفة للغاية، بينما يمسكون بالملابس” مما يشير إلى أنهم سيأخذون بعضاً منها لأنفسهم.
في يناير/ كانون الثاني عام 2016، كان وضع الفخراني ينتقل من سيئ إلى أسوأ. إذ كان قد نُقل من سجن طره إلى سجن وادي النطرون، وهو ما أبعده عن أصدقائه وتسبب في تراجع مستوى معيشته بقسوة.
يرفض الحراس بشكل تعسفي السماح لوالدي الفخراني بجلب الأطعمة أو الملابس، بل ويمنعونهما من الزيارة في بعض الأحيان، ولم يعد بإمكانه استخدام الهاتف المحمول. عندما تكون هناك جلسات استماع في محاكمته، يُنقل مؤقتاً إلى سجن العقرب سيئ السمعة في مصر، وهو سجن شديد الحراسة أحواله قاسية.
تدهورت حالة الفخراني العاطفية بشكل حاد. يقول والده “آخر مرتين رأيناه فيها قال إنه ليس بخير”، وأضاف: “صار يبكي كثيراً. وقال لي: لا أحب أن تأتي وتراني بدون وجه جيد، وابتسامة جيدة”.
سلطان، الذي أُفرج عنه عام 2015 بعدما كان قد اقترب من الموت خلال إضرابه عن الطعام وتنازل عن جنسيته المصرية، يصف السجن بأنه “مقبرة رجل حي”. قال إن الوصول إلى الهاتف “يُشعرك وكأنك قد حصلت على شريان الحياة”. بدونه، يتواصل الفخراني عبر الرسائل المُهربة.

يقول سلطان إن الجزء الأصعب في السجن هو “رؤية أفضل سنوات حياتك تمر، تُسرق منك، تُهدر، بينما كان بإمكانك أن تتقدم في حياتك المهنية، أو تبني علاقات وتتزوج وتنجب. وأعتقد أن هذا هو ما يُحزن عبد الله. لم يكن أحد يتوقع أن يُسجن كل هذا الوقت. كان الجميع يعتقد أنه سيكون مجرد إجراء تعسفي قصير المدى”.

تمتلئ سجون مصر عن آخرها، بعد اعتقال عشرات الآلاف من السجناء السياسيين منذ انقلاب عام 2013. ويقدر تقرير أُجري في سبتمبر/أيلول 2016 صادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في القاهرة، العدد بحوالي 60 ألف سجين سياسي في مصر حالياً. وقد ساعد القمع الدموي الحكومي على تصاعد التمرد الجهادي المحتدم بالفعل، والبعض قلق من أن السجن الجماعي للمعارضين المحبطين، إلى جانب المتطرفين الإسلاميين، يمكن أن يجعل السجون أرضاً خصبة لظهور موجة جديدة من الجهاديين.
ليس هذا هو الحال بالنسبة للفخراني، الذي كتب لي في رسالة من صفحتين بخط اليد في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، إن كامل التغييرات التي مر بها في السجن لن تكون واضحة حتى يُطلق سراحه. ولكنه مر بـ”نقلات نوعية” على حد قوله. وبينما كان “الكفاح من أجل الحرية” في السابق حدثاً للتغطية “علمتني الأيام في السجن أن الحرية تستحق قتالاً من أجلها”.
قال في رسالته “تخيل أنك تعيش في تجربة سوسيولوجية لمدة ثلاث سنوات في غرفة صغيرة من 30 شخصاً يمثلون جميع الأطياف الاجتماعية”، وأضاف “المثير للدهشة هو أن السجن علمني التعامل مع الإنسان وليس مع الطبقات الاجتماعية”.
في سبتمبر/ أيلول 2016، بدأ الفخراني إضراباً عن الطعام، معتمداً فقط على الماء والسكر، احتجاجاً على عدم تلقيه العلاج الطبي، إذ يعاني من تورم مؤلم غير معروف سببه في الساق، يجعل تنقله صعباً.
في رسالة هُربت من السجن في أواخر سبتمبر/ أيلول، قال إن مسؤولي السجن رفضوا طلبه بأن يتم نقله إلى مستشفى لتشخيص مرضه. بعد أن بدأ في رفض الطعام قلَّ وزنه إلى 50 كيلوغراماً تقريباً، بعدما كان 80 كيلوغراماً في بداية دخوله إلى السجن.
وفي رسالة كتبها إلى خطيبته في بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، أخبرها أنه كسر إضرابه عن الطعام جزئياً ليتمكن من تناول مسكنات للألم. ثم أنهى إضرابه كلياً في بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، بسبب تدهور حالته الصحية.
أثر اعتقال الفخراني عليه أكثر من أي حدث آخر مر به في حياته.

كتب لي في رسالة أخرى في أكتوبر/ تشرين الأول “عندما سألتني قبل ثلاث سنوات، لم تكن أولويتي الرئيسية أن يُفرج عني. ولكنها كانت استرداد جو من الحرية وحرية الرأي وحرية التعبير” وأضاف “لكن بعد ثلاث سنوات من السجن ظلماً… فأملي الأكبر الآن أن يُفرج عني، من الظلم ومن الظالمين. على الرغم من علمي بأن خروجي من السجن لن يُعيدني حراً كما كنت من قبل”.
لكن المعاناة لم تُطفئ حماسته المثالية، كتب أيضاً “بشكل غير متوقع ورغم كل الصعاب، لا تزال الثورة المصرية تسري في أرواح الشباب المصري” وتابع “لا يزال النظام يشعر بالتهديد من انتفاضة الشباب المصري مجدداً”.

ربما لا يزال اليوم الذي يسقط فيه النظام في مصر بعيداً، ولكن بالنسبة إلى الفخراني لا يزال المستقبل يحتوي على أمل بالانتصار الشخصي والسياسي. كتب في رسالته “قلمي غير قادر على وصف مشاعري في هذه اللحظة”، كما كتب بحروف عربية أنيقة خلال فصل الصيف يهنئ سلطان على خطبته “أشعر بمزيج من السعادة والفرح، سعادة أنك صرت حراً لتتزوج بينما لا أزال أنا مسجوناً، وفرحة لأن الله قد أنعم عليك”.
دعا الفخراني الله أن “يمنحنا جميعاً الحرية في أقرب وقت، وأن يسهّل لي الزواج من الفتاة التي أحبها” وأنهى رسالته برسم وجه مبتسم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق