في اليوم العالمي للحرية.. ورقة بحثية عن الانتهاكات ضد الحريات الإعلامية

أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، باراك أوباما، اليوم العالمي للحرية، بموجب الصلاحيات المخولة له بمقتضى دستور وقوانين الولايات المتحدة الأمريكية في يوم 9 نوفمبر 2011 قيامًا على ذكرى تحطيم حائط برلين كرمز للحرية وتحطيم جدران القمع، كما دعا أوباما لإقامة الاحتفالات في هذا اليوم.

وعرف الإعلان الصادر لحقوق الإنسان والمواطن في فرنسا الصادر عام 1789 الحرية على أنها “قدرة الإنسان على إتيان أي عمل لا يضر بالآخرين وأن الحدود المفروضة على هذه الحرية لا يجوز فرضها إلا بالقانون”.

التعريف السابق، يشمل 3 مكونات أساسية “القدرة على الإتيان بأي فعل، مع وجود قيدين وشرط عدم الضرر للغير”، والقانون الذي يقوم بالأساس على تنظيم الحياة العامة أو حريات الأفراد بما لا يضر الآخرين، هو ضمانة للشرط الأول.

ولكن ماذا لو كان القانون نفسه أو السلطات المنفذة لهذه القوانين بها عوار يجعلها تسلب الأفراد حرياتهم المختلفة؟

تصنيف الحريات

يلزم التنويه بأن هناك أنواع عديدة للحريات وتصنيفات متعددة، وأن هذا التصنيف هو إحدى هذه الأنواع.

الحريات الشخصية: هي الحريات اللصيقة بشخص الإنسان وبحريته الشخصية، وهي الأساس لكل الحريات الأخرى، وتشمل حق الأمان، حق التنقل، حق الكرامة الإنسانية.. إلخ

الحريات الفكرية: حرية الرأي والتعبير، حرية الاعتقاد، حرية الصحافة ووسائل الإعلام.. إلخ

الحريات الاقتصادية: حرية ممارسة الأنشطة الاقتصادية، حرية التملك.. إلخ

الحريات السياسية: الحق في المشاركة السياسية، حق الانتخاب، حق الترشح للمناصب السياسية والتمثيلية، حق التجمع.. إلخ.

أولًا: الحريات الشخصية

قتل الصحفيين: أ-

منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير تم رصد 10 ضحايا للصحافة قُتلوا على خلفية أداء عملهم الصحفي، أثناء القيام بواجبهم المهني في تغطية الأحداث أو التصوير، ولم يتحقق القصاص العادل لأي منهم على الرغم من أنه من المفترض أن يتم التعامل مع الصحفيين أثناء الاشتباكات أو النزاعات المسلحة كمدنيين يجب حمايتهم.

ب- العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر: 

يوجد عدد من مواد قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 تحكم بالحبس والغرامات في جرائم المتعلقة بالنشر والعلانية، واستجابة للمطالبات الكثيفة لإلغاء العقوبات السالبة للحريات في جرائم النشر والاكتفاء بالغرامات، استجابت الهيئة الوطنية لإعداد التشريعات الصحفية، والإعلامية وأعدت مشروع قانون لذلك، كان من المقرر عرضه على رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي منذ العام الماضي، ومصيره مجهول إلى الآن.

وأغفل مشروع القانون 3 مواد وهم المواد 185 و 303 و 306 بخصوص السب والقذف، والتي  تستحق أيضًا أن يتم إلغاء عقوبة الحبس فيها، والاكتفاء بالغرامات، أو أن تكون عقوبة تأديبية من جانب نقابة الصحفيين.

يلزم التنويه إلى أن هذه المواد ليست فقط التي يمكن حبس الصحفيين بمقتضاها، وإنما هناك بعض القوانين الخاصة مثل قانون القوات المسلحة، الذي يعطي سلطة سلب الحريات وعقوبة الحبس.

ج- الحبس الاحتياطي للصحفيين على خلفية أداء عملهم الصحفي:

لم يضع التشريع المصري تعريفًا محددًا للحبس الاحتياطي، ولكن هناك العديد من الاجتهادات الفقهية، مثل تعريف الأستاذ نجيب حسني الفقيه الجنائي، على أنه “سلب حرية المتهم مدة من الزمن تحددها مقتضيات التحقيق ومصلحته وفق ضوابط قررها القانون”، كما تضمنتها التعليمات العامة للنيابات وفى المادة رقم 381 وذلك على النحو التالي: “الحبس الاحتياطي إجراء من إجراءات التحقيق غايته ضمان سلامة التحقيق الابتدائي من خلال وضع المتهم تحت تصرف المحقق وتيسير استجوابه أو مواجهته كلما أستدعى التحقيق ذلك، والحيلولة دون تمكينه من الهرب أو العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد المجني عليه، وكذلك وقاية المتهم من احتمالات الانتقام منه وتهدئة الشعور العام الثائر بسبب جسامة الجريمة”.

“المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة”، كما تنص المادة 96 من الدستور، وبالتالي من غير العدل أن تسلب حرية متهم بريء لم تثبت إدانته لسنين طويلة، كتدبير احترازي لضمان سلامة التحقيقات، أو أن يكون إجراء من إجراءات التحقيق يخل بالحريات الشخصية ويأتي الحكم بالبراءة، وهذا يضر بالحريات الشخصية التي يتكفل الدستور والقانون بحمايتهم.

وحفاظًا على الحرية الشخصية التي تكفل القانون والدستور بحمايتها، جاءت المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية لتحديد مدة الحبس الاحتياطي كالآتي: “ولا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على ثلاثة أشهر، ما لم يكن المتهم قد أٌعلم بإحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة، ويجب على النيابة العامة في هذه الحالة أن تعرض أمر الحبس خلال خمسة أيام على الأكثر من تاريخ الإعلان بالإحالة على المحكمة المختصة وفقاً لأحكام الفقرة الأولى من المادة 151 من هذا القانون لإعمال مقتضى هذه الأحكام، وإلا وجب الإفراج عن المتهم.

فإذا كانت التهمة المنسوبة إليه جناية فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على خمسة شهور، إلا بعد الحصول قبل انقضائها على أمر من المحكمة المختصة بمد الحبس مدة لا تزيد على خمسة وأربعين يوما قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة، وإلا وجب الإفراج عن المتهم.. وفى جميع الأحوال لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة تحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للجريمة، وبحيث لا يتجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهراً في الجنايات وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام”.

وفقًا للمادة السابقة فإن المتهم بجنحة لا يجوز أن تزيد مدة حبس احتياطيًا، في مرحلة التحقيق وسائر مراحل الدعوى الجنائية عن 6 أشهر، أما في الجناية فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق وسائر مراحل الدعوى الجنائية عن 18 شهرًا، أما في الجناية التي يصل الحكم فيها إلى الإعدام أو المؤبد في مرحلة التحقيق و سائر مراحل الدعوى الجنائية عن سنتين”.

لكن الرئيس السابق عدلي منصور أصدر قرارًا بالقانون رقم 83 لسنة 2013 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، ونص التعديل في مادته الأولى، بأن تستبدل الفقرة الأخيرة من المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية الفقرة الآتية: “ومع ذلك فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم صادرًا بالإعدام أو بالسجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطيًا لمدة خمسة وأربعين يومًا قابلة للتجديد دون التقييد بالمدد المنصوص عليها في الفقرة السابقة”.

والمادة السابقة، حررت محكمتي النقض والجنايات من قيود مدة الحبس الاحتياطي للمتهم إذا كانت العقوبة الإعدام أو المؤبد، أي أنه يمكن حبس شخص لم تثبت إدانته لأكثر من عامين ومن الوارد أن يصدر حكم بالبراءة وهو بالأساس بريء ما لم تتم إدانته بموجب القانون والدستور ودون أن يتلقى التعويض المناسب لهذه السنين الطويلة التي قضاها على سبيل إجراء التحقيقات.

ويوجد بديل في قانون الإجراءات الجنائية للحبس الاحتياطي، الذي يعد ظالمًا ومقيدًا للحريات الشخصية في المادة 201 التي وضعت تدابير احترازيه أخرى هي:

ـ إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه

ـ إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة

ـ حظر المتهم أماكن محددة

فإذا خالف المتهم الالتزامات التي يفرضها التدبير جاز حبسه احتياطيًا.

وهذه الإجراءات أكثر عدلًا من أن يتم حبس المواطن احتياطيا أكثر من عامين والإضرار بحريته ومصلحته الشخصية وبعمله، في النهاية يجب إلغاء القانون الرئاسي الذي أصدره عدلي منصور، وأن يتم استخدام البدائل الخاصة بالحبس الاحتياطي حفاظًا للحرية الشخصية للمتهم وخصوصًا أنه لدينا 13 صحفي محبوسين احتياطيًا من بينهم 4 صحفيين تجاوزوا، بالفعل الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، وهم محمود عبد الشكور أبو زيد عطية الله – وشهرته شوكان، محمود عبد النبي، سامحي مصطفى ومحمد العادلي.

د- الصحفيين المحبوسين على خلفية أداء عملهم الصحفي:

طبيعة عمل الصحفي أو المراسل الصحفي تتطلب منه الوجود في مواقع اشتباكات أو نزاعات مسلحة للتصوير، أو الرصد لنقل المعلومات والأخبار وإيصال الصورة كاملة للجماهير، ومن ثم فإنهم يكونوا معرضين للأخطار الجسدية، وأضيفت إلى قائمة الأخطار أن يتم القبض عليه

كمشارك في أحداث العنف أو التظاهر، الأمر الذي يحتم اهتمام أكبر ووعي أكبر بدور الصحفي وعدم كونه طرف في النزاع السياسي.

ونشر “صحفيون ضد التعذيب” قائمة بأسماء المحبوسين على خلفية آدائهم الصحفي إذ أن لدينا 5 صحفيين صدر ضدهم حكم بالحبس ويقومون بتقضية عقوبتهم، بالإضافة إلى 13 صحفيًا محبوسًا احتياطيًا على ذمة التحقيقات.

و- الأضرار الجسدية للصحفيين على خلفية أداء عملهم الصحفي:

تم رصد 278 حالة انتهاكًا تعدي بالضرب على صحفيين منذ بداية الفترة الرئاسية للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، منهم 130 انتهاكًا من جانب مواطنين و95 انتهاكًا من جانب وزارة الداخلية و168 حالة تعدي بالقول أو باللفظ  منهم 51 من جانب وزارة الداخلية، و71 حالة انتهاكًأ، منهم من جانب المواطنين.

فيما تم رصد 79 حالة احتجاز غير قانوني منهم 74 من جانب وزارة الداخلية، و121 حالة استيقاف وتفتيش منهم 94 حالة من جانب وزارة الداخلية.

ثانيًا: الحريات الفكرية

أ- حرية التعبير:

تنص المادة 65 من الدستور على أن “حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”، في حين أن الواقع يشهد انتهاكات مستمرة لهذه الحرية فتم رصد 22 انتهاك منع نشر أو بث محتوى إعلامي، منذ بداية الفترة الرئاسية للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، لمنع النشر أو بث محتوى إعلامي منهم 12 انتهاك من المؤسسات الصحفية أو الإعلامية نفسها.

تم مصادرة 3 جرائد، كما تم فرم و مصادرة عدد من جريدة صوت الأمة، ومصادرة عدد بجريدة الصباح الأسبوعية، ومصادرة عدد من جريدة المصريون من قبل جهات سيادية وأمنية، مما يخل بالمادة 71 في الدستور التي تنص على أنه “يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها.. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زَمن الحرب أو التعبئة العامة”.

تم رصد 757 حالة منع تغطية منذ بداية تولي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الرئاسة منذ 8 يونيو 2014 منهم 261 حالة تم منع التغطية من قبل جهات قضائية، و205 حالة من جهات أمنية بين قوات مسلحة أو وزارة الداخلية و112 من جانب مواطنين و92 حالة من جانب جهات حكومية ومسؤولون.

ب- حرية الاعتقاد:

تنص المادة 64 من الدستور على أن “حرية الاعتقاد مطلقة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون”، ولكن هذه الحرية في المطلق مقيدة بتهمة ازدراء الأديان المقررة في نص المادة 98 من قانون العقوبات: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه، كل من استعمل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول والكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي”.

ووجهت هذه التهم لعدد كبير من الصحفيين منهم فاطمة ناعوت وباسم يوسف وإبراهيم عيسى، ويقضي الآن فترة العقوبة بالسجن إسلام البحيري، مقدم أحد البرامج، لتشكيكه في صحة رواية الأئمة الأربعة، الأمر الذي يوحي بأن تهمة ازدراء الأديان مصممة لتقيد حرية الاعتقاد التي كفلها الدستور.

ثالثًا: التوصيات

1- إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر، ومتابعة مشروع القانون الصادر وإدراج به كافة المواد و القوانين السالبة للحريات في جرائم النشر، وعلى نقابة الصحفيين أن توجه له الاهتمام وتطالب بإقراره والحشد الإعلامي للقضية، بما يسلط الأضواء على أهميته كضمانة لحريات الصحفيين.

2- الإفراج عن الصحفيين المحبوسين احتياطيًا، الذين تجاوزوا الحد الأقصى (عامين) والإفراج عن بقية المحبوسين مع مراعاة الإجراءات الأخرى التي يمكن تبنيها كما بيننا في الورقة، والتي تضمن استمرار إجراءات التحقيق، وأن تقوم نقابة الصحفيين بدورها في توفير الحماية للصحفيين المحبوسين احتياطيًا والاهتمام بالمطالبة بالإفراج عنهم.

3- المطالبة بإلغاء القانون الذي ألغى الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، في الجنايات التي تصل إلى المؤبد أو الإعدام احترمًا للحرية الشخصية للمتهم، الذي لم تثبت إدانته بعد التي تعهد أن يكفلها الدستور.

4- وقف الانتهاكات الخاصة بمنع النشر، ومنع التغطية، وأن تهتم نقابة الصحفيين بالحفاظ على هذا الحق ودعوة المشرع المصري أن اقتضى الأمر للحفاظ على الحق في التعبير وحق الحصول على المعلومات وأن يكون ثمة تشريع يردع تكرار هذه الانتهاكات.

5- مشاركة منظمات المجتمع المدني ونقابة الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، في نقاش حول تحديد أطر التشريعات الإعلامية بما يضمن حماية الصحفي وآمنه وحريته وحقه في التعبير.

*نقلا حرفيا عن”مرصد صحفيون ضد التعذيب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق