قطب العربي يكتب: صحفيون وعسكر..التراجع والصمود

عبر تاريخها الممتد لـ 75 عاما دخلت نقابة الصحفييين في صدامات متقطعة مع النظم العسكرية التي حكمت مصر بعد يوليو1952 وحتى الآن، لكن اللافت أنها في تلك الصدامات المتقطعة التي كانت دفاعا عن حرية الصحافة وكرامة وحقوق الصحفيين نجحت النقابة في فرض مطالبها كليا او جزئيا، أو على الأقل نجحت في صد الهجمات التي كانت تستهدف كيانها، وما يجدر ذكره من تلك الوقائع هنا تصديها لخطة الرئيس الر احل أنور السادات بتحويلها إلى نادي إجتماعي بعد انتقادات وجهها له صحفيون مصريون (كانوا بالمناسبة يقيمون خارج مصر بسبب استهدافهم من نظام السادات كما هو حالنا اليوم مع نظام السيسي)،

نقلا عن عربي 21

عبر تاريخها الممتد لـ 75 عاما دخلت نقابة الصحفييين في صدامات متقطعة مع النظم العسكرية التي حكمت مصر بعد يوليو1952  وحتى الآن، لكن اللافت أنها في تلك الصدامات المتقطعة التي كانت دفاعا عن حرية الصحافة وكرامة وحقوق الصحفيين نجحت النقابة في فرض مطالبها كليا او جزئيا، أو على الأقل نجحت في صد الهجمات التي كانت تستهدف كيانها، وما يجدر ذكره من تلك الوقائع هنا تصديها لخطة الرئيس الر احل أنور السادات بتحويلها إلى نادي إجتماعي بعد انتقادات وجهها له صحفيون مصريون (كانوا بالمناسبة يقيمون خارج مصر بسبب استهدافهم من نظام السادات كما هو حالنا اليوم مع نظام السيسي)،

وعارضت النقابة اتفاقية كامب ديفيد، ورفضت التطبيع مع العدو الإسرائيلي بقرار جمعية عمومية لايزال ساريا حتى الآن، وفي عهد مبارك رفضت محاولات وزير الإعلام صفوت الشريف احتوائها وتذويبهابضم آلاف العاملين في ماسبيرو لها ما كان سيجعل الصحفيين مجرد أقلية صغيرة في نقابتهم يسهل ابتلاعهم، وكان للصحفيين معركة شهيرة عام 1988مع وزير الداخلية الأسبق والأشهر زكي بدر الذي أساء للصحفيين وأضطر للذهاب إليهم في نقابتهم عام للإعتذار لهم، وقد أصروا على دخوله النقابة منفردا بدون سلاح لتأمينه وهو ما رضخ له أيضا، وكانت المعركة الأبرز مع نظام مبارك حين أصدر قانونا جديدا لتقييد حرية الصحافة برقم 93 لسنة 1995، وقد سخر مبارك من جلال عيسى وكيل نقابة الصحفيين وقتها الذي طالبه في حفل عام بتجميد ذلك القانون، ورد عليه مبارك”إحنا موش بنبيع ترمس” و”القانون صدر لينفذ لا ليجمد”، وقد تداعى الصحفيون في جمعية عمومية حاشدة أيضا ظلت في حالة إنعقاد دائم حتى تم إلغاء القانون بعد تصديق مبارك عليه ونشره في الجريدة الرسمية،

لاتعني تلك الصدامات المتقطعة أن النقابة كانت كيانا معارضا للنظم الحاكمة، ولا أنها نجحت في توفير الحريات الصحفية الكافية، أو منعت حبس الصحفيين أوإغلاق الصحف، بل يمكن القول أن حركة المد والحزر في علاقة النقابة بالنظم الحاكمة كانت تتوقف على قوة نقبائها ومجالسها، وكذا حماس الصحفيين أنفسهم أعضاء الجمعية العمومية، وأيضا درجة التسامح السياسي القائم، وقد حرصت السلطات الحاكمة منذ الخمسينات حتى اليوم على ربط النقابة بها من خلال حرمانها من مصادر دخل مستقلة، وفي نفس الوقت تقديم إمتيازات وبدلات مالية للصحفيين تزداد مع كل موسم انتخابي فيما يشبه الرشاوى الإنتخابية.

جاءت الأزمة الأخيرة للصحفيين مع وزارة الداخلية بعد اقتحام ضباطها للنقابة في سياق تلك الصدامات المتقطعة مع النظم العسكرية المستبدة المعادية لحرية الصحافة، وكان إحتشاد الصحفيين في جمعيتهم العمومية غير مسبوق عدديا، وقد سبق الجمعية العمومية تداعي الصحفيين إلى مقر النقابة فور سماعهم بنبأ إقتحامها منتصف ليلة الأول من مايو في خطوة سبقت حضور نقيب الصحفيين واعضاء مجلس النقابة، وقرر الصحفيون ليلتها الدخول في اعتصام مفتوح وأصدروا بيانا تضمن مطلبين اساسيين هما استقالة وزير الداخلية والإفراج عن جميع الصحفيين السجناء، وحين إلتأمت الجمعية العمومية يوم الأربعاء 4 مايو رفعت سقف مطالبها واصدرت 14 قرارا وتوصية تضمنت أيضا مطالبة السيسي شخصيا بالإعتذار باعتباره المسئول الأول عن تلك الجريمة، وهوما يعكس إدراكا صحفيا بالجاني الحقيقي على حرية الصحافة، وهو ما دلل عليه الصحفيون أيضا بهتافاتهم بسقوط حكم العسكر.

لكن وقفة واحتشاد الصحفيين جاءت في ظل مجلس ضعيف مهتز، وغير متجانس، ما ينذر بتراجعات لاحت بشائرها في تأجيل إجتماع كان مقررا له بعد غد الثلاثاء وفقا لقرار الجمعية العمومية ذاتها، وهذا القرار شأنه شان أي قرار آخر للجميعة العمومية لا يملك المجلس التنازل عنه، بل واجبهم وفقا للمادة 47 من قانون النقابة رقم 76 أن يتحركوا لتنفيذه.

سبق هذا التراجع عن عقد إجتماع قررته الجمعية العمومية في موعده مظاهر أخرى لضعف المجلس كما حدث في بعض المقابلات التليفزيونية، وكذا في الاستجابة السريعة لمطالب الصحفي أحمد موسى بالتحقيق في بث فعاليات الجمعية العمومية على قنوات مصرية تبث من تركيا، رغم أن هذا البث لا يشكل أي مخالفة قانونية او لائحية، كون الجمعية العمومية علنية ومتاحة للبث والنشر لجميع الصحفيين المصريين والمراسلين الأجانب، ولكون النقابة لم تصدر قرارا بحظر النشر، أو حصره في قنوات وصحف بعينها وحرمان غيرها من ذلك، وكان حريا بالنقابة أن تدافع عن حريية تدفق المعلومات التي ناضلنا كثيرا من اجلها، كما كان واجبها أن تدافع عن حقوق تلك القنوات وصحفييها في البث باعتبارهم مصريين، وكثيرون منهم أعضاء بالنقابة، وأنهم إجبروا على ترك مصر بعد إغلاق قنواتهم وصحفهم داخلها، وكان من مظاهر الضعف والإهتزاز أمام هجمات أذرع السيسي هو ذلك الحديث الممجوج عن عدم السماح لأي تيار أن “يركب” الجمعية العمومية ويوجهها لصالحه في إشارة للتيار الإسلامي تحديدا، فالمعروف أن نقابة الصحفيين هي نقابة رأي، وأنها تضم صحفيين من كل الإتجاهات السياسية، وقد شهدنا حضورا وحديثا للمرشح الرئاسي السابق  الصحفي حمدين صباحي، وكذا المرشح الرئاسي السابق  المحامي خالد علي، ولم تقل النقابة أنهما يركبان الجمعية العمومية.

لم يكن تأجيل إجتماع الثلاثاء هو التراجع الوحيد، بل إن التراجع الأهم هو التنازل عن طلب اعتذار عبد الفتاح السيسي، وفقا لحديث أمين صندوق النقابة محمد شبانة للتليفزيون المصري، والذي اتهم آلاف الصحفيين المشاركين في الجمعية العمومية بالخطأ باتخاذ ذلك القرار الذي عده صداما غير مبرر مع مؤسسة الرئاسة.

لا يدرك هذا العضو أنه مجرد فرد في الجمعية العمومية، ليس من صلاحياته ولا من صلاحيات المجلس مجتمعا فرض وصاية على الجمعية العمومية التي ضمت آﻻف الصحفيين من مختلف الاتجاهات والمؤسسات والذين رأوا في جمعهم ذاك أن المسئولية الأولى عن اقتحام نقابتهم إنما هي في رقبة السيسي باعتباره صاحب القرار اﻷول في البلاد، وباعتبار أن الداخلية وضباطها المقتحمون هم مجرد أداة لتنفيذ سياساته وتوجهاته، ووفقا للأعراف النقابية ينبغي مساءلة عضو المجلس هذا الذي أخطا بحق الجمعية العمومية.

أدرك أن أعضاء مجلس نقابة الصحفيين ليسو متماثلين من حيث الخبرة النقابية أو طاقات التحمل والمواجهة،فمنهم المناضلون أصحاب الخبرة والقدرة ومنهم المرتمون في أحضان السلطة المسبحون بحمدها المقتنعون أنهم لا يمكنهم الوقوق بوجهها، وأن عليهم فقط “التطبيل” لها وتنفيذ توجهاتها وعمل “كنترول” على إرادة زملائهم، لكن قانون النقابة النقابة رقم 76 فرض على النقيب والمجلس التحرك لتنغيذ قرارات الجمعية العمومية (وليس تعطيلها أو سحبها)
لقد إلتزمت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية بوضع شارات سوداء ونشر صور نيجاتيف لوزير الداخلية ونشرت مقالات رافضة للعدوان على النقابة استجابة لقرارات الجمعية العمومية،وكان حريا بالمجلس أن يكون مبادرا بتنفيذ بقية الفرارات التي لا تحتاج إذنا من أحد مثل رفع دعوى ضد وزير الداخلية لمخالفته للقانون باقتحام النقابة، ومحاسبة الصحف والصحفيين الذين لم يلتزموا بالقرارات،أو الذين حرضوا السلطة على زملائهم، لكن ضعف المجلس دفعه بدلا من ذلك لتقديم التنازلات، كما أغرى السلطة لتحرك كتائبها للضغط على المجلس ودفعه للاستقالة او سحب الثقة منه، وهو ما قد يحدث في أي لحظة، وإزاء هذه الحالة الخطرة فإن على الجماعة الصحفية التي تحركت من قبل لحماية نقابتها في ليلة ليلاء أن تتحرك مجددا لحماية إرادتها، وقراراتها وتوصياتها التي يساوم عليها البعض الآن مقابل استمرار بقائهم حتى لو ضاعت كرامة الصحفيين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق