ممدوح الولى يكتب: الحريات الغائبة

تمثل نقابات الصحفيين والإعلاميين منارات للدفاع عن الحريات ومصالح الرأى العام بالدول الديموقراطية، بينما هى بالنظم المستبدة تمثل كيانات هشة شكلية تنغلق على نفسها لتقديم خدمات علاجية وترفيهية لأعضائها، مؤكدة فى كل مناسبة ولاءها للقائد المظفر أو لسمو الملك أو الأمير أيا كان مسماه.
وعندما تنفصل نقابة الصحفيين عن قضايا مجتمعها فإنها تفقد ثقة هذا المجتمع، والذى يعتبرها إحدى كيانات النظام الحاكم، بحيث لا يختلف دورها عن دور وزارة الإعلام أو مصلحة الاستعلامات أو الشؤون المعنوية.
وعندما صمتت نقابة الصحفيين المصرية عن تجاوزات نظام الثالث من يوليو ضد المواطنين العزل، من إراقة دماء وإصابات واعتقالات ومطاردات واقتحام للبيوت، وتحفظ على الأموال وغيرها من الممارسات القمعية، فقد زادت الفجوة بينها وبين المجتمع.. مما سهل مهمة النظام فى تعطيل العمل بمواد الدستور الذى أصدره والخاصة بالحريات، وتوسع فى تجريم التظاهر، ومنع السفر، ومنع من يشم منهم مجرد مخالفة بالرأى من بين أنصاره من الظهور الإعلامى، أما تجاوزاته مع المعارضين له فلا سقف لها، ورغم كل ذلك يزعم بلا خجل،  بأن حرية الرأى مكفولة للجميع ! ولا يجد من يرد عليه خشية بطشه وتشهيره أو توقف عطائه.
ولقد طال الإعلاميين ما طال شرائح المصريين من تجاوزات النظام، فكان منهم القتلى والمصابين والمعتقلين الذين بلغ عددهم 87 إعلاميا مازالوا بالسجون، ولم نسمع حتى الآن عن تعويض لأسرة إعلامى قتل خلال قيامه بعمله المهنى، أو حتى تحقيق يخلص إلى تحديد من قتله، لأن الجانى معروف للكافة.
ومن الطبيعى أن يجد أى نظام مستبد أنصارا له فى كل زمان ومكان، فتلك هى الطبيعة الكونية، لكن ثقة المجتمع ستظل محصورة فيمن تمسكوا بكلمة الحق أمام كل سلطان جائر، وها هى الأجيال الإعلامية الشابة التى كسرت حاجز الخوف فى يناير 2011، وامتلكت أدوات تكنولوجية معاصرة، يزداد نصيبها من الجسد الصحفى، لتكون لها قيادة الدفة.
وها هم هؤلاء الشباب يصححون موقف النقابة عندما سكتت عن تجاوزات النظام الحالى، ويعلنون رفضهم لتعسف السلطة، ووقفوا خلف نقيبهم دفاعا عن حرية الصحفيين واستنكارا لاقتحام النقابة، وزادت ممارسات السلطة ضد نقيبهم وزملائه تأكدهم من أنهم يسيرون على الطريق الصحيح.
ولقد كشف النظام عن ضعفه خلال ممارساته المشكوفة من خلال رجاله داخل المهنة وخارجها، تجاه الصحفيين ونقيبهم واحتجازه غير المسبوق للنقيب وزميليه، بل واتهامهم باتهامات غير منطقية وإحالتهم للمحاكمة، مما أزال الغشاوة عن أعين كثير من أنصار النظام.. خاصة أن فشله فى مجال الحريات وعودة جمهورية الخوف لم يكن المجال الوحيد للفشل، حيث واكبه فشل بالملف الاقتصادى متمثلا فى سوق موازية للدولار بفارق وبسعر لم يحدث من قبل، بلغ أكثر من جنيهن للدولار الواحد، وموجة غلاء بأسعار غير مسبوقة، واستمرار لتدنى مستوى  الخدمات الصحية والتعليمية، وعدم تحقيق مشروعاته ثمارها الوارفة التى وعد بها، ومنها المؤتمر الاقتصادى والتفريعة السابعة لقناة السويس واستصلاح 1.5 مليون فدان وعلاج الإيذر بالكفتة.. مما غير وجهة نظر الكثيرين تجاه النظام بعد انكشاف عدم تحقق وعوده، ومنهم عدد من الإعلاميين الذين قارنوا بين الحرية التى تنعموا بها بعهد الرئيس مرسى والتضييق عليهم فى ظل النظام الحالى.
وتزايد قائمة الممنوعين من الكتابة والظهور الإعلامى يوما  بعد يوم، وكشفهم استئثار شرائح محددة بعطايا النظام، وهى الفئات التى يعتمد عليها فى تثبيت أركانه والبطش بخصومه. لكنه مهما طال عهد الظلم والطغيان، سيأتى وقت سيتغير فيه النظام الحالى بعد أن فقد مصداقيته، وستظل نقابة الصحفيين شامخة بتاريخها وبمواقفها، وسيذكر التاريخ موقف كل صحفى استمسك بالحق، مهما نال من  بطش وجبروت السلطان، وموقف كل من تخاذل وكذب وخدع ونافق ونهل من عطايا السلطان.

+نقيب الصحفيين المصريين الأسبق

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق