هشام جعفر من محبسه يكتب: مصر يجب أن تتصالح مع شعبها.. قراءة فى الصراعات البشرية

تصلكم كلماتي وأنا في زنزانة انفرادية بسجن العقرب في ظل استباحات شتى أتعرض لها، استباحات للجسد وللحق فى العلاج، واستباحة للمشاعر الإنسانية (لا أعرف شيئاً عن أسرتي منذ أربعة أشهر) واستباحة للقانون وللحقوق الدينية…. إلخ.
إلا أن هذه الاستباحات التي تذكركم باستباحات الدولة المنهزمة في العصور الوسطى لم تزيدني إلا إيماناً بهذا الوطن وعشقاً لترابه، بل إن مضى الأيام على اعتقالي أكثر من 650 يوماً حتى الآن تجدد إيمانى وتزدني تمسكاً بحلمي لهذا الوطن أن يكون لائقاً بأمة تعيش القرن الواحد والعشرين.
أعتذر عن استخدام لفظ المصالحة فى العنوان، فقد استبيحت أيضاً كلمات ومفاهيم: الحوار والتوافق والعدالة الانتقالية، وأصبحت ألفاظاً سيئة السمعة حتى استخدمت من الفرق وكإحدى أدوات الصراع لا لإحداث مقصودها، وأدعوك لاستبدالها إن وجدت أفضل منها.
كما أؤكد في بداية المقال أنني لا أتحدث عن المصالحة مع الإسلاميين أو الإخوان؛ إذ يستحق ذلك مقالاً مستقلاً.
أولاً: أسس المصالحة
1- الاعتراف بالتعددية
في التنوع في النسيج المصري، وما يقدم هذا الاعتراف هي الدولة المصرية بتقاليدها وتراثها الممتد ونخبتها الرسمية، وغير رسمية التي شاعت لسنوات طويلة مفاهيم تجانس النسيج المصري بحكم تقاليد ثقافة النهر. هذا وإن كان صحيحاً فيما مضى إلا أن السنوات الأخيرة قد أظهرت كم وحجم هذا التنوع حين أضيف إلى ثقافة النهر وثقافة والمتوسط وثقافة الهجرة إلى النفط وثقافة العولمة…. الخ وكأن ميدان التحرير 2011 هو من كشف عن هذا التعدد والتنوع مع وحدة الأحداث والشعارات (حرية.. عدالة.. وكرامة إنسانية وعيش وتنمية)، انظر مقال الكاتب في جريدة الشروق حول الثورة المصرية في النسخة الإلكترونية، إدارة التنوع من أهم التحديات التي تواجه الدولة الحديثة في الدول المتقدمة (أميركا – ترامب، أوروبا -اليمين) ودولنا العربية (العراق سوريا – ليبيا – السودان) وهي تحديات الدولة المصرية أيضاً.
2- المواطنة
بالإضافة إلى المواطنة القانونية أي مواطنة للحقوق والواجبات المتساوية بين جميع المصريين، فيجب أن تتأسس مصر القادمة على المواطنة الثنائية أيضاً، التي تعني مساهمة الحقب التاريخية المصرية المتعددة (فرعوني وقبطي وإسلامي وحديث) في إثراء التراث المصري من خلال الاستفادة بما سبق، والإضافة والتجديد فيه مع استمرار العناصر الأساسية التي شكلت صورة مصر عبر العصور.
3-تجنب الطائفية
الطائفية هي ثقافة الكمباوند التي لم تكتف بإقامة جدران من الخرسانة المسلحة بين الفئات الاجتماعية، بل أوجدت طوائف منغلقة على ذاتها وفق تقسيمات عدة؛ الدين والملة ونمط التدين (سلفي – إخواني)، المهنة وخاصة الوظائف التي تسيطر على النفوذ والسلطة والمال (قضاء – شرطة – جيش – رجال أعمال) والمصالح الفئوية.
ولقد كان دستور 2014 في بعض مواده على استعلاء بعض المؤسسات في تعيين رئيسها (الأزهر – الجيش) أو استقلال في وضع موازنتها (البرلمان – القضاء) أو استقلال بعض الأديان في وضع شرائعهم، وكان قانون بناء الكنائس في مصر في مسودته الأولى خير مثال على هذه الطائفية، حين أبقى على اعتبار المسيحيين طائفة، بل وتواجد داخلهم طوائف لولا جهود صديقنا الأستاذ/ سمير مرقص، لكان صدر هذا القانون بذلك، صحيح أنه تم العدول إلى نقطة الكنائس، ولكن تظل الدلالة قائمة، فالدولة في نخبتها الرسمية وكذلك ممثلو الطوائف، أقصد الكنائس وقادتهم الدينية يدركون الذات باعتبارهم طائفة!
4-الحفاظ على الدولة المصرية:
وهو ما يقتضي إصلاح وتجديد مؤسستنا مع ضرورة بناء نظام ديمقراطي تشاركي تعددي، قادر على أني يلبي الحاجات العامة لجميع المصريين بعدالة، وهذا يقتضي الاتفاق بين القوى الأساسية (الاجتماعية والسياسية) على حد أدنى وفق مستويات ثلاثة:
الأول: أسس الجمهورية الجديدة، التي يجب أن تثبت حكمة في مؤسسات التنشئة الاجتماعية.
الثاني: قواعد دستورية تتأسس على القوانين الأساسية.
الثالث: حد أدنى من التوافق على القواعد تحكم ببعض المجالات الأساسية والمجال السياسي والمجال الاقتصادي والمجال الديني، خاصة في علاقته بالمجال العام.
5-عدم الإقصاء
يجب أن تسود القناعة من الجميع أن مصر تسعنا جميعاً باختلافاتنا وتعددنا وتنوعنا، وأن إقصاء أي طرف هو البداية
لإقصاء الجميع تحت دعاوى سياسية أو أيديولوجية أو ثقافية…..الخ، وأن الإقصاء هو بداية العنف الذي لا ينتهي، و يجب أن تسود القناعة والإيمان بقدرتها على حل صراعاتنا بالطرق السلمية، وبناء القواعد المتفق عليها، كما أشرت في البند السابق.
ثانياً: أولويات المصالحة
1-المصالحة مع الأطراف
ربما تصلح نظرية المركز والأطراف في وصف أهم صراع فى مصر الآن، وهو الصراع على أولويات التنمية: نمطاً واتفاقاً وتوجيهات مناطق المركز إلى الدول المتقدمة المستقرة سابقاً، وإنماء المدن الكبرى وعواصم المحافظات، بالإضافة إلى مدن السياحة ومجتمع 1% الجديد “تستنفد ذلك القدر الأكبر من ثروة هذا البلد ومصادر التنمية المحدودة
فيه، وترتبط بالمركز خارج مصر في تحالفات واحتقارات كمباوندية (بتعبير سمير أمين) ناهيك عن تحالفاتها مع دوائر البيروقراطية الدولة النافذة صاحبة القرار في توزيع مصادر التنمية وتحديد أولوياتها.
ولقد أدى ضعف مدرسة اليسار
المصري في العقدين الأخيرين وانشغاله بالصراع الثقافي مع الإسلاميين إلى تراجع الاهتمام بهذا المجال في مجالات الصراع على الرغم من أنه الأرضية التي تتحرك عليها وتتقاطع عندها جميع الصراعات في مصر.
2- المصالحة مع الشباب
المصالحة بين الشباب والدولة وقد أعياني البحث حتى الآن عما يمنع الدولة المصرية لو كانت مستعدة للحوار مع الشباب
بشكل جاد وحقيقي، ولكن هل يمكن للدولة أن تتحاور مع شبابها فى ظل إعلان ومصادرة المجال العام؟
3 – إنصاف المرأة
اتصل بي أحد مستشاري شيخ الأزهر وكنت قريباً من دوائر الشيخ في ذلك الوقت عام 2013 على ما أذكر لصياغة وثيقة حول حقوق المرأة في الإسلام، تستكمل سلسلة وثائق أزهرية صدرت بعد يناير/كانون الثاني 2011، وقمت مع فريق من النساء المجتهدات بصياغتها في أيام معدودة، وتمت مراجعتها وإجازتها من اثنين من هيئة كبار العلماء وشيخ الأزهر ذاته بعد أن أجرينا عليها عدداً من الحوارات مع عدد من السيدات، بمشاركة وحضور شيخ الأزهر ذاته، إلا أن الوثيقة لم تصدر ولا أعلم لمَ لم تصدر حتى الآن؟ وعلمنا فيما بعد أن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي كان يسيطر عليه الإخوان وقتها قد أصدر قراراً برفض الوثيقة، ما دفع الأزهر ولأسباب أخرى إلى التلكؤ في إصدارها، وقمنا بإصدارها بعنوان “إعلان الإسكندرية لحقوق المرأة في الإسلام”، بتوقيع عدد من الشخصيات العامة في مصر والعالمين العربي والإسلامي في 2014، وهكذا تحالفت المحافظة الاجتماعية في المؤسستين الأزهر والإخوان على الرغم من العداء بينهما على عدم إنصاف المرأة ولو في وثائق، كما يذكرك تحالف الإخوان الحزب الوطني في عام 2007 ضد قانون الخلع. هذا التحالف لا يقتصر على الفاعلين في المجال الثقافي والديني، بل يمتد داخل مؤسسات التنشئة الاجتماعية وبعض القطاعات البيروقراطية؛ ليتحول إلى مؤسسة تساهم في المظالم ضد المرأة التي تتحمل العبء الأكبر في الحفاظ على الأسرة المصرية، 35 % من الأسر المصرية تعولهم المرأة.
وهناك ثلاثة مداخل أساسية لدعم حركة إنصاف المرأة الأول الحركات والمبادرات الشبابية القاعدية التي انطلقت قبل وأثناء وبعد يناير 2011 .
تحركات اتسمت بتجاوز ثنائية الذكورة مع الأنوثة إلى مفهوم المواطنة والديمقراطية التشاركية.
الثاني الحوار بين الفاعلين في صنع صياغة السياسات العامة الموجهة للمرأة.
الثالث أن تقود المرأة حركة الاجتهاد الديني فيما يخص قضاياها في مواجهة الاستبداد الذكوري.
قضايا المسيحيين المصريين
لا بد من كسر التحالف القائم بين الأجهزة الأمنية والمؤسسات الدينية لاحتكار هذا الملف، وإبعاد المدنيين من أمثال من لعب دوراً في معالجة قضايا التوتر الطائفي، ولقد شاهدنا ذلك إبان عملنا في المجلس الوطني للعدالة والمساواة بعد الثورة.
يجب الانتقال من صيغة الحماية/ التأييد إلى صيغة الحاضنة المجتمعية، فنظام ورث صيغة الحماية/التأييد عن مبارك في مقابل تأييد الكنيسة لنظام تحصل على حمايته، صيغ تواجه تحديات كبيرة منذ تفجير القديسين في 2010، وصولاً إلى تفجير الكنائس الأخير.
8 % من الشباب المسيحي لم يعد تحت ولاية الكنيسة الآن بحسب ما ذكره أحد القساوسة.
مسيحيون يدفعون فواتير معارك وصراعات ليس طرفاً فيها والصراع ما بعد 30/6 بين الدولة، والإسلاميين، ام صيغه الحاضنة المجتمعية فهي ما دشنته ثورات الربيع العربي عبر مرتكزات من حركات مواطنة قاعدية خاصة من الشباب، ومعالجة ثقافية وقانونية للمسألة، فآليات إنذار مبكر وتدخل سريع في مناطق التوتر الطائفي.
هذه مساهماتى من أجل مصر جديدة نحيا بها جميعاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق