وائل خورشيد يكتب: في “صاحبة الجلالة”.. ما أسهل أن تُقصف الأقلام وتُقطَّع الأرزاق!

نقلا عن هافنجتون بوست

مهنة الكتّاب والكَتَبة، والبحث عن المتاعب كما يقولون، ولكن المتاعب هنا ليست فيما يُنشر، وإنما فيما لا يُنشر، نحن نتحدث عن الفساد والحريات أينما كانوا، طالما ما زلنا داخل السجن الصغير، المتمثل في السياسة التحريرية، والمتمثلة في رأي ملّاك المكان وقياداته، والمتمثل رأيهم فيما لا يزعج النظام، وطبعاً لا يزعجهم.

ولكن علي كل حال، لست أتكلم هنا عن المهنة كمهنية، وإنما أتحدث عن قلب المهنة الجريح، وهم أبناؤها المؤمنون بما يعملون عليه، فالعمل صحفياً، ليس مجرد وظيفة، ففي تلك الحالة لن تبدع، وحقاً، أنت لن تنجح لو كنت تحمل عقلية الموظف، ولن تستمر؛ فأنت مطالَب طوال الوقت بالتفكير في كل جديد.

أما كلامي هنا، عن أوضاع أبناء المهنة، فنحن نكتب عن كل شيء، إلا ما يُغضِب، كما قلت أعلاه، وأيضاً ما يعانيه أبناء صاحبة الجلالة، من أوضاع مهنية سيئة للغاية.

حكايات الفصل التعسفي، وبلا سبب، باتت عادية، وآخرها ما أصاب أبناء جريدة “صوت الأمة” على سبيل المثال لا الحصر؛ كل ذلك يحدث في ظل نقابة ضعيفة، لا تسمن ولا تغني من جوع، فبمنتهى البساطة، يمكن أن يخبرك رئيسك في العمل بأن ترحل، وهكذا انتهى الأمر، أصبحت مشرّداً، لا زاد لك ولا مأوى، كما يمكن أن يتم تخفيض راتبك دون سبب.

كما أن الوضع الطبيعي أصبح هو أن تكون غير معيَّن، وغير نقابي، وبلا حماية من الأساس سوى لسانك المعسول لو أفلح، ولا نغفل طبعاً القول: إن هناك بعض المحظوظين تم تعيينهم، وتنقيبهم، وبات لهم شبه حماية، أما الأغلب الأعم فليسوا كذلك.

تعمل بأجر زهيد، وفي أكثر من مكان، تتحول إلى آلة، تصل لمرحلة تنسى فيها أن يكون لك رأي من الأساس، وتكتفي بالنقل، ولا تتحدث مع مصدر سوى من هو على الهوى، وإن كان في هذا تعزية لك؛ لأنك لم تقل هذا البؤس الذي صرّح به المصدر، إلا أنك على كل حال لم تفتح مجالاً لرأي آخر.

العمل الصحفي بات تجارياً بحتاً، المهنية فيه يجب أن تؤتي ثمارها تجارياً، ولو لم تفعل، فهي فاشلة، والقارئ هو الحكم، لو أنه يرفض ما لا ينفع، لكان حال المهنة أفضل، ولنا في أفلام السبكي المسيئة عبرة، والتي تحقق أعلى الإيرادات. ففي الصحافة، المشاهدات هي من تنتصر، فهي من يدّر دخلاً، وليست المهنية.

وأيضاً، بجانب تجارية العمل الصحفي، فهو وسيلة لرجل الأعمال مالك الجريدة في كسب علاقات واسعة، ومحاربة خصومه؛ ولكن لنسأل أنفسنا بشكل صريح، ماذا لو قرر رجال الأعمال مرة واحدة أن يتوفقوا عن ضخ أموالهم في الصحافة؟ ببساطة، لن يكون هناك صحف غير حكومية في مصر.

نحن الآن، نعمل برعاية حفنة من رجال الأعمال، استولوا على أغلب الصحف، نحاول أن ننظر للجانب المشرق، وهو أن المهنة ما زالت موجودة، وما زال فيها رمق أخير، قد لا يرضي الجميع، ولكن حالنا كحال وطننا، لسنا بعافية، ولكن ما زلنا نعافر ونتنفس عوادم الحياة.

أحاول قدر المستطاع ألا أمنح من مبادئي شيئاً لتنال منه يد العفن، وأحاول أن أبتعد عما لا يرضيني في العمل، وأكتفي بما يصح أن أضع اسمي عليه، ولكن لا يمكنني أن ادَّعي بطولة، فالمهنة ليست حزباً سياسياً، فأساسها هو صناعة الأخبار، والبحث في بطون الأشياء عما يهم القارئ، وليس ادعاءً نفرّ منا أنه سيغير الكون بقلمه، فما أسهل أن تقصف تلك الأقلام!

أكتب هذا لسببين؛ أولهما، لكي يضع القارئ نصب عينيه ما يعانيه هؤلاء، وثانيهم، لكي يتكلم زملاؤنا عما يعانونه، وأن نستخدم أقلامنا لنصرة أنفسنا، خصوصاً ونحن على أعتاب تجديد نصفي في مجلس نقابة الصحفيين، والذي يشمل انتخاب نقيب، لربما يقدم جديداً.

بالتأكيد، ولأني تعلمت من الخبرة بعض ما سيفكر فيه القارئ ويتساءل عنه، فبعض الناس يتركون ما كُتب، ويسألون عما لم يُكتب، ويصوِّبون نحو الكاتب سهام الاتهام، فمثلاً في موضوعنا هذا، سيتساءل البعض: لماذا لا أكتب عن الكذب والتلفيق، والأخبار الكاذبة، والتلاعب بالعقول؟ وأنا أردُّ بألا تسأل، سأكتب، إن شاء الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق