1000يوم على فراق حبيبة ..استحقت الإسم عن جدارة

حبيبة عبد العزيز
حبيبة ..
استحقت هذا الاسم عن جدارة ..
فقد كانت حبيبة إلينا وهي بيننا، وصارت أكثر من كونها حبيبة بعد ارتقائها ..
كانت الابنة البارة، والصحفية الواعدة، والثائرة الحرة، والفتاة الغيور على كل أنثى، إلى أن اتخذت مكانها في قافلة الشهداء عبر الزمن، نحسبها عند الله كذلك، ولا نزكيها عليه.
صرنا نشعر بأنها المسئولة عن الأسرة وهي في سن العشرين تقريبا. والمسئولية هنا، لا تعني المسئولية المادية، حيث كانت لاتزال طالبة، ولكنها المسئولية بمعنى الاهتمام، والسؤال الدائم عن أحوال البيت، وشئون الأسرة، وطرح الحلول لأي مشكل. وبعد أن التحقت بالعمل في “الجلف نيوز” الإماراتية، كانت تأتي بكل راتبها؛ لتضعه في يد أمها رغما عنها، ولا تبقي لنفسها منه شيئا.
لم تعبر حبيبة يوما عن أي تطلعات أو أمنيات خاصة بها، فكل ما كانت تتطلع إليه حبيبة وتتمناه، هو ذلك اليوم الذي ترى فيه إخوتها وقد تخرجوا في الجامعة الأمريكية بالشارقة، وهي ذات الجامعة التي تخرجت فيها عام 2009. لقد كانت حبيبة بمثابة ولي الأمر لإخوتها منذ لحظة التحاقهم بالجامعة، رغم أنهم جميعا في سن متقاربة، وظلت تذلل كل الصعاب التي واجهتهم حتى ارتقائها.
كانت حبيبة ترعي طالبات الجامعة اللواتي تعرضن لأزمات نفسية أو عاطفية، أو وقعن في شَرك الإدمان، وذلك بالتنسيق مع أحد الإداريين دون علم إدارة الجامعة حتى لا يتعرضن للطرد من الجامعة.
وكانت حبيبة شديدة الحب للحيوانات، واشتركت في حملات حول العالم؛ لرعايتها وإنقاذها. وهنا تجدر الإشارة إلى القط “نيمو” الذي كان لا يفارقها في البيت، وكان لا ينام إلا في حضنها، كما ينام الطفل في حضن أمه. فقد كانت حبيبة تشركه في طعامها، ولا تأكل إلا بعد أن يشبع.
كانت حبيبة مع الثورات العربية من أول يوم، فقد كانت تنشر أخبار الثورات، وتحمس الثوار، وتؤازرهم، وتذود عنهم دون تمييز.
حاولت السفر إلى سوريا؛ لغوث النازحين في الداخل السوري، كما حاولت السفر إلى غزة لزيارة أسر الشهداء وضحايا العدوان الصهيوني، لكنها لم تتمكن.
شاركت حبيبة في أحداث محمد محمود 2 وأصيبت عدة إصابات بالخرطوش، وتفاعلت مع كل كيان ثوري دون تمييز، حتى اتضح لها الغث من السمين، والكاذب من الصادق، والثوري من المرتزق.
أمضت حبيبة آخر أسبوعين من حياتها بين المعتصمين في ميدان رابعة العدوية، إيمانا منها بأن المعركة الدائرة هي معركة بين الحق والباطل. وليس معركة على كرسي خطفه خائن منقلب على رئيس شرعي منتخب. فالشرعية كانت من وجهة نظر حبيبة، مسألة عقدية لا يمكن التفريط فيها، أو المساومة عليها، وليست مسألة سياسية يمكن التفاهم حولها، والقبول بحل وسط لها. هذا، رغم أن حبيبة كانت ممن انتخبوا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وتزعمت عاصري الليمون؛ لانتخاب الدكتور محمد مرسي في جولة الإعادة ضد الفريق أحمد شفيق. وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على أن حبيبة كانت تدور مع ما تعتقد أنه الحق حيث دار، بغض النظر عن قربها أو بعدها عن الأشخاص، ومدى قبولها أو رفضها لهم.
كانت حبيبة ترى الصراع بين الشرعية والانقلاب صراعا مبدئيا، وليس سياسيا. صراعا بين قوى الشر التي تتربص بمصر، وتريد لها البقاء في ذيل الأمم، تفترش الجوع والفقر، وتلتحف التخلف والمرض، وبين رئيس شرعي منتخب أراد أن يحقق للمصريين العيش الكريم، والتعليم رفيع المستوى، والرعاية الصحية اللائقة، وأن يمارس الشعب حقوقه وواجباته كافة بكل حرية ومسئولية، كأي شعب متحضر في هذا العالم.
أثناء الاعتصام، شاركت حبيبة في كثير من الأنشطة؛ منها مرافقة الوفود الأجنيبة للترجمة، ومنها توثيق الشهداء والمصابين في مجزرتي الحرس الجمهوري والمنصة، ومنها تغطية الأحداث الميدانية تغطية إعلامية مهنية، حتى آخر لحظة في حياتها.
قبل مجزرة رابعة بأيام، مرت حبيبة على جميع أقاربها المقيمين في القاهرة (أخوالها وخالاتها) وودعتهم جميعا، وقد أخبرونا فيما بعد، في روايات متواترة، أن حبيبة أخبرتهم بأن هناك مذبحة كبيرة ستقع، وستكون هي من ضحاياها، ثم يأتي النصر !!
صباح يوم المجزرة، ودعت حبيبة زملاءها في المركز الإعلامي، وكتبت منشورا على صفحتها في الفيس بوك، ليس فيه سوى شهادة الإسلام؛ “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله” متبوعة بوجه مبتسم (إيموشن)، ثم حملت كاميرا البث المباشر التي كانت قد حصلت عليها من فضائية “الجزيرة مباشر مصر” واتجهت نحو الميدان ..
بكل ثبات ورباطة جأش نادرين، سارت حبيبة وسط هذا الجحيم؛ لتنقل وقائع “مجزرة رابعة” إلى العالم في بث حي مباشر. كانت تعاني يومها من الحمى، صداع وحرارة، ثم برودة شديدة، وهكذا، ولم تجد حبيبة ذلك سببا كافيا يجعلها تتخلى عن تأدية واجبها الإعلامي، وتغادر الميدان، بل طلبت الدعاء من والدتها وواصلت.
في الرسائل المتبادلة بين حبيبة ووالدتها أثناء تغطيتها المجزرة، قالت حبيبة: هناك قناص يشير لي بمغادرة المكان، وإلا سيقتلني، وأشار بعلامة الذبح، فرددت عليه بالإشارة أيضا : لا، لن أغادر، وسأبقى هنا. وكانت هذه الكلمات هي آخر عهد حبيبة بالكتابة.
بعدها جاء تقرير الطب الشرعي ليكمل حكاية حبيبة ..إصابة مباشرة برصاصة في القلب فمزقته، وهشمت عددا من ضلوع قفصها الصدرى، ثم خرجت من أسفل الظهر ..مضت حبيبة إلى ربها مقبلة غير مدبرة. أدت واجبها، ولم تخش الموت أو الإصابة. فقد عقدت عقدا مع ربها، لم نعرف به إلا في وصاياها التي تركتها لأفراد العائلة كل على حده ..
كتبت حبيبة في وصيتها لأمها :
لا تخشي شيئا يا أمي، فقد تركتم في عهدة عزيز جبار ..
عزيز، لن تروا ذلا في معيته ..
وجبار، سيقصم ظهر كل من يتعرض لكم بظلم ..
هذا حبيبة التي كانت ..
والتي لا تزال حبيبة ..
أم حبيبة (صبرين منجود)
12/5/2016
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق