المرصد العربي: الصيغة النهائية لقوانين الإعلام الجديدة تشرعن القمع وتكميم الأفواه

لندن 17-7-2018

كما كان متوقعا أقر مجلس النواب المصري مشاريع القوانين الثلاثة الإعلامية الثلاثة (تنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام) المقيدة لحرية الإعلام بما تضمنته من العديد من النصوص التي تضرب حرية الصحافة والإعلام في مقتل، و”تشرعن” القمع وتكميم الأفواه، وتسحب مكاسب حققها الصحفيون في فترات سابقة سواء قبل أو بعد ثورة يناير 2011.

وإذ يدين المرصد العربي لحرية الإعلام هذا التغول الجديد على حرية الصحافة والإعلام في مصر فإنه يدعو الجميع لمواصلة العمل لإسقاط هذه القوانين أو على الأقل النصوص المقيدة فيها، ويؤكد أن إقرار البرلمان للصيغة النهائية للقوانين الثلاث ليس نهاية المطاف فقد سبق لبرلمان الرئيس الأسبق مبارك أن أقر قانونا مشابها عم 1995، وصدق عليه رئيس الجمهورية ونشر في الجريدة الرسمية، ولكن انتفاضة الصحفيين في جمعيتهم العمومية الطارئة التي استمرت أكثر من عام نجحت أخيرا في إسقاط القانون، وصياغة قانون جديد.

من أبرز المواد التي أثارت غضب المجتمع الإعلامي وأصر البرلمان على تمريرها تلك المتعلقة بالحبس في قضايا النشر، حيث تلاعب البرلمان بمطالب الصحفيين والإعلاميين، في محاولة ساذجة لإيهامهم بالاستجابة لهم بسحب نص المادة 29 محل الجدل وإحلال نص المادة 71 من الدستور محلها، والحقيقة ان المادة 71 من الدستور شانها شأن غيرها من النصوص الدستورية هي مواد عامة تحتاج إلى تفصيل في القانون، وقد نصت المادة على (…..ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية, أما الجرائم المتعلقة بالتحريض علي العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد, فيحدد عقوبتها القانون) أي أن النص الدستوري نفسه أحال للمشرع القانوني تحديد العقوبات في الجرائم الثلاث السابقة، وحسب سياق النص كان على المشرع أن يبحث عن عقوبات غير الحبس لهذه الجرائم، لكن البرلمان رفض ذلك، وأنزل النص الدستوري إلى منزلة القانون بطريقة مشوهة تفتح الباب للنيابة لتقرير الحبس لمن تشاء، وهو ما يتم حاليا بالفعل بحبس عشرات الصحفيين والإعلاميين في قضايا نشر بالمخالفة للنص الدستوري.

جدير بالذكر ان الحبس في جرائم النشر كان قد ألغي في القانون 96 لسنة 1996 (إبان عهد مبارك) وتبقى منه فقط الحبس الاحتياطي في تهمة إهانة رئيس الجمهورية، والتي بموجبها صدر قرار بحبس الصحفي إسلام عفيفي رئيس تحرير جريدة الدستور في العام 2012، وقد تدخل الرئيس السابق محمد مرسي بما كان يمتلكه من سلطة التشريع قبل انتخاب برلمان فألغى ذلك النص، ليتم بذلك إلغاء عقوبة الحبس تماما في قضايا النشر، ولكنها عادت مجددا مع القوانين الجديدة (خاصة قانون تنظيم الإعلام).
كما يجدر الذكر أن توقيع عقوبة الحبس في قضايا النشر سواء الحبس الاحتياطي أو الحبس الحكمي لا يقتصر على الصحفيين والإعلاميين ولكنه يمتد لكل مواطن مارس حقه في التعبير عبر وسائل الإعلام المختلفة سواء قنوات او صحف ورقية او مواقع إلكترونية.
كما أبقى البرلمان على المادة 19 التي تنتقل سلطة حجب المواقع ومصادرة الصحف من الأجهزة الأمنية السيادية إلى المجلس الأعلى للإعلام، والذي يكون له أن يصادر حريات المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي إذا تجاوز عدد معجبي الصفحة عن 5 آلاف معجب.
وقد رفض البرلمان ملاحظة مجلس الدولة المتعلقة بالمادة 12 حول ضرورة الحصول على إذن مسبق بتغطية وتصوير الأحداث العاجلة، مضيفا للنص الأصلي عبارة «في الأحوال التي تتطلب ذلك» ليكون نصها الكامل: «للصحفي أو الإعلامي في سبيل تأدية عمله الحق في حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة، وإجراء اللقاءات مع المواطنين، والتصوير في الأماكن غير المحظور تصويرها، وذلك كله بعد الحصول على التصاريح اللازمة في الأحوال التي تتطلب ذلك». وهذا يعني مجددا أن على الصحفي قبل التحرك لتصوير حادثة معينة أن يحصل على إذن حتى لا يفاجأ بمنعه من التغطية.
ويؤكد المرصد أن تمرير هذه القوانين سيضع المزيد من القيود على حرية الصحافة التي تعاني بالفعل من قمع غير مسبوق، تسبب في وضع مصر ضمن المنطقة الأكثر سوادا في هذا المجال، كما أن هذه القوانين التي تطلق يد النيابة العام في الحبس وتطلق يد المجلس الأعلى للإعلام في الحجب والمنع ستقضي على ما تبقى من صحافة في مصر، وسينعكس ذلك في عدم قدرة العديد من وسائل الإعلام على استكمال مسيرتها، واضطرارها للإغلاق والتخلص من العاملين فيها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق