ملاحظات تفصيلية على لائحة (فرض الصمت) المعروفة بجزاءات الأعلى للإعلام.

بقلم – خالد البلشي :

تأتي لائحة جزاءات المجلس الأعلى للاعلام لإكمال مشهد فرض الصمت التام على كل وسائل الإعلام بكل أشكالها صحف وقنوات أرضية وفضائية ومواقع الكترونية (عامة وخاصة)، وصولا إلى صفحات ومواقع التواصل التي يزيد عدد متابعيها عن 5 آلاف متابع، وذلك من خلال نصوص عقابية تجاوزت ما ورد في قوانين إعدام الصحافة، وما في موادها من مغالاة وتقييد، لتصل لحد تجريم الكلام وممارسة مهنة الاعلام والصحافة إلا في الحدود المسموح، به أمنيا وحكوميا ، فاللائحة لم تقف عند حدود تحويل نصوص القانون القمعية إلى إجراءات عقابية بل انها توسعت في فرض عقوبات حتى خارج إطار القانون وخارج نصوصه، لتهدم المبدأ القانوني الراسخ الذي يشدد على أنه لا عقوبة إلا بنص قانوني، وتعدت ذلك باغتصاب سلطة القضاء في فرض العقوبات المالية، بقرار إداري، والتي وصلت في المادة 28 من اللائحة إلى 5 ملايين جنيه، بزعم حماية الملكية الفكرية، وذلك فضلا عن تعديها على سلطة النقابات في التحقيق مع أعضائها ومحاسبتهم تأديبيا، وهو ما سنتناوله باسهاب.

كما توسعت اللائحة في مصادرة أي مساحة للكلام من خلال ابتكار جرائم جديدة أواستخدام عبارات فضافضة منها مخالفة النظام العام والآداب العامة (مادة 14)، واعتبارات ومقتضيات الأمن القومي، أو الإضرار بمصالح الدولة وفق ما يقدره المجلس (التي تكررت في مواد القانون)، أو إجراء مناقشات أو حوارات تعمم ظاهرة فردية باعتبارها ظاهرة عامة”(مادة 21)، و”الاساءة لمؤسسات لدولة والاضرار بمصالحها العامة وإهانة الرأي الآخر أو إثارة الجماهير” (مادة 17) أو استضافة “شخصيات غير مؤهلة” (مادة 20) أو نشر مادة تتعرض للأديان “والمذاهب الدينية” مادة (14) ، أو استخدام ألفاظ “تؤذي مشاعر الجمهور، وتصل عقوبة من يرتكب ذلك إلى إلغاء الترخيص أوالحجب أو المنع من الظهور، وغرامات تصل إلى 250 ألف جنيه يجوز مضاعفتها حال تكرار المخالفة.

هذا هو الموجز وإليكم التفاصيل:

 

– اغتصبت اللائحة سلطة القضاء بأن منحت المجلس سلطة فرض عقوبات جنائية على الصحف والمؤسسات ، كالغرامات (المبالغ فيها) التي امتلأت بها نصوص اللائحة، والتي وصلت لـ 250 الف جنيه، في اتهامات النشر، مع منح المجلس حق مضاعفة هذه العقوبات كما ورد في المادة 10 من اللائحة لتصل إلى 500 ألف جنيه حال تكرار المخالفة، وعلى اتهامات لم ينص القانون الحالي للمجلس على فرض أي عقوبات عليها، وتم إحالتها للمحاكم للفصل فيها بناء على نصوص مواد قانون العقوبات، بل أنها تجاوزت ما ورد في قانون العقوبات من غرامات ولجأ لمضاعفتها عشرات المرات وبقرار إدار من المجلس، في تجاوز واضح للقانون في الحالتين، ووصل الأمر إلى منح المجلس فرض غرامات تصل إلى 5 ملايين جنيه دون محاكمة تحت مسمى حماية الملكية الفكرية، هذا فرضا عن تجاوز نصوص اللائحة لمبدأ عدم ازدواج العقوبة بعد ان فتحت الباب لتعدد العقوبات الجنائية من خلال النص في المادة 13 من اللائحة على أن العقوبات الواردة فيها، لا تحول دون المساءلة الجنائية، وكذلك ما تم النص عليه في قانون المجلس الأعلى للإعلام من أن العقوبات الواردة فيه تأتي مع عدم الاخلال بأي عقوبة أشد في قانون العقوبات، في إشارة إلى مواد السجن والحبس والتي من المفترض أن الدستور نص على إلغائها بل ونص عليها أيضا قانون المجلس في مادته (29).

ورغم أن المجلس تدارك الانتقادات الموجهة لمشروع اللائحة قبل إقراره من حيث مضاعفته للعقوبة المنصوص عليها في المادة 101، الخاصة بالامتناع عن نشر التصحيح، ورفع الحد الأقصى من 100 الف إلى 200 ألف، بأن أكد الالتزام في المادة (9) من اللائحة الصادرة بعدم الاخلال بما ورد في المادة (101) والتي حددت العقوبة بأنها لا تقل عن 50 الفا، ولا تزيد عن 100 الف، إلا أن النص حتى في صورته الحالية يشكل عدوانا على القضاء بمنح المجلس حق إصدار العقوبة واستبدال الحكم القضائي الوارد في نص المادة بقرار إداري يصدره المجلس.. فضلا عن أن المجلس عاد في المادة التالية من اللائحة (مادة 10) ليفتح الباب من جديد أمام مضاعفة كل العقوبات الورادة في اللائحة حال تكرار المخالفة ودون أيضا اللجوء للقضاء.

– ومثلما اغتصبت اللائحة سلطة القضاء، في الحكم بعقوبات جنائية فإنها اعتدت على سلطة النقابات في معاقبة أعضائها تأديبيا، متجاهلة النصوص القانونية والدستورية التي تعطي للنقابات المهنية دون غيرها سلطة معاقبة أعضائها تأديبيا، حيث منحت اللائحة في المادة (7) منها للمجلس أو إحدى اللجان التابعة، حق استدعاء الصحفيين والاعلاميين للتحقيق، وجاءت المادة (8) لتضع المجلس الأعلى للإعلام في مقام الوصاية على النقابات بعد أن تجاوزت دوره في تقديم الشكاوى للنقابات لتنص على منح المجلس حق إحالة الصحفي والإعلامي للمساءلة التأديبية في نقابته، رغم أن قرار الإحالة نفسه حق أصيل للنقابات إذا رأت أن الشكاوى المقدمة تستوجب ذلك، كما منحت المادة للمجلس حق فرض عقوبات تأديبية مؤقتة ضد الصحفيين والإعلاميين (تحت مسمى تدابير وقائية) كالمنع من الظهور في الصحف أو وسائل الاعلام، أو المواقع الألكترونية إلى حين الانتهاء من المساءلة التأديبية أمام نقابته وهي عقوبة قد تستمر لشهور في حال اتباع الاجراءات القانونية السليمة ودون أي عراقيل.

– فرض المجلس من نفسه حسيبا، ورقيبا أخلاقيا على وسائل الاعلام وذلك من خلال المادة الأولى من الأحكام العامة في اللائحة، والتي فتحت الباب أمام المجلس للمحاسبة على المخالفات الواردة باللائحة بمجرد العلم، والذي تم تحديد وسائله في المادة من خلال وسائل الرصد أو الاستماع أو المشاهدة أو القراءة الذاتية لاعضاء المجلس، هذا بخلاف الشكاوى، والنص بهذه الطريقة يعطي المجلس حق فتح التحقيق وإصدار العقوبة بناء على أي وسيلة من وسائل العلم رغم أن بعض الجرائم الواردة في اللائحة، هي جرائم شخصية كالسب والقذف لا يجوز تحريكها إلا بناء على شكاوى من المتضرر نفسه، وتجاوز ذلك يعد من قضايا الحسبة .

– دور المحتسب والرقيب تواصل ايضا في المادة (27 ) من اللائحة والتي قننت قوائم المنع من الظهور في وسائل الاعلام بأن أعطت للمجلس حق منع الاعلاميين والأفراد من الظهور لفترة محدودة (لم يتم النص على حد اقصى لها) وذلك بدواعي فضفاضة كاعتبارات الأمن القومي (بعدم إثارة الجماهير)، أو الإضرار بمصالح الدولة، وحتى في حالة اتهام الصحفي أوالاعلامي أو الفرد الممنوع بارتكاب ما يشكل جريمة جنائية، أو التحريض عليها وهو ما يمثل فرض عقوبة دون إدانة ولمجرد الاتهام، فرضا عن مخالفتها للدستور الذي ينص عل حق المواطنين في التعبير عن ارائهم بحرية ودون قيود.

– مدت اللائحة حدود التجريم وكرست جرائم طالما طالب الصحفيون والمهتمون بالحريات العامة وفقهاء القانون بالغائها من خلال عبارات مطاطة مثل الاساءة لمؤسسات الدولة أو الاضرار بمصالحها العامة ، أو إثارة الجماهير، أو إهانة الرأي الآخر، بل ووضعت لهذه الاتهامات التي اسقطها الفقه القضائي الحديث عقوبات جنائية مبالغ فيها لم ينص عليها قانون العقوبات لتصل بحدود الغرامة لـ 250 الف جنيه يجوز مضاعفتها، بخلاف عقوبات أخرى تدخل في إطار مصادرة الحريات والتعدي على الدستور منها منع وبث أو نشر الصفحة أو الباب أو حجب الموقع الالكتروني لفترة معينة وحجب الموقع الشخصي الذي يزيد متابعية عن 5 آلاف الف لفترة محددة أو دائمة. وهي نصوص فضلا عن عدم قانونيتها فإنها تصادر الحريات والعمل الصحفي، ويتم فرضها من خلال تحقيق إداري وليس من خلال جهة قضائية رغم المطالبة الدائمة بالغاء هذه النصوص.

– اللائحة خالفت المبدأ القانوني بان المتهم بريء حتى تثبت إدانته وسنت مبدأ قانوني جديد يفتح الباب لمعاقبة المتهمين حتى دون إثبات التهمة عليهم من خلال المادة 27 والتي اعطت للمجلس حق منع ظهور الإعلاميين والافراد حال ارتكاب (ما يشكل جريمة جنائية)، أي دون انتظار لحكم القضاء، وهذا فضلا عن مصادرته لحرية الرأي واعتداء على حقوق المتهمين في الرد وعرض ارائهم فإنه يحمل عدم فهم لطبيعة العمل الصحفي والتي تقتضي في بعض الأحيان عرض وجهات نظر المتهمين أو استضافتهم والغاء لصفحات الحوادث بالصحف.

– رغم أن الدستور نص في مادته 71 على (حظر فرض رقابة على الصحف ووسائل الاعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها بأى وجه)، إلا أن اللائحة توسعت في عقوبات الحجب ومصادرة المواد الصحفية ومنع بثها أو وقف البرامج والصفحات والمنع من الظهور، وصولا إلى إلغاء الترخيص (بقرار إداري) وذلك في أكثر من 9 مواد ولاسباب واهية وبتعبيرات مطاطة (توسعنا في سردها)، وصولا إلى جعل نشر أخبار كاذبة وسيلة للمصادرةـ رغم عدم وجود معيار محدد للأخبار الكاذبة، و رغم أن عقوبة الاخبار الكاذبة كما علمنا أساتذة المهنة هي تصحيحها، والقانون نص على عقوبة مالية كبيرة في حالة عدم نشر التصحيح.

– غاب عن اللائحة أي قواعد واضحة للتحقيق في المخالفات، ولم تنص على أليات واضحة للتحقيق ومدده أو تشكيل لجانه، فضلا عن أنها فتحت الباب في المادتين (6 و22) لمضاعفة العقوبات على بعض الجرائم وتحديد اثرها وجسامتها دون قواعد واضحة غير الاحتكام لتقديرات المجلس ففي الاولى رهنت الاضرار بمقتضيات الأمن القومي بما يقدره المجلس وفيا الثانية رهنت تقدير جسامة الخطأ في تغطية العمليات الأمنية الحوادث الارهابية بتقدير المجلس ايضا لا باثر محدد وفي الحالتين تصل العقوبة لالغاء الترخيص.

كما فتحت المادة (7) لعدم المساواة في المراكز القانونية حيث منحت لرئيس المجلس حق الغاء العقوبات الصادرة من المجلس بقرار منفرد منه، والشرط الوحيد أن يكون مسببا دون حتى وضع حدود لهذه الاسباب وهو ما يفتح الباب للهوى في تنفيذ القرارات.

ويبقى أن بنود اللائحة لا تقف عند كونها تشكل جرائم كاملة في حق المجتمع ومهنة الصحافة، واستكمال لعملية تأميمها، ولا يمكن حصرها فقط في مخالفة مواد الدستور أو تجاوز مواد قانون العقوبات، أو استبدال المحاكمات بعقوبات إدارية والتعدي على دور النقابات، بل أنها تتخطى ذلك لمصادرة الحق في المعرفة وتداول المعلومات، وصولا الى اغتيال حق المواطنين في التعبير عن آرائهم .

ولذلك فإن السبيل الوحيد لمواجهتها يبدأ بتفعيل توصية الجمعية العمومية بإعادة النظر في قوانين إعدام الصحافة واستبدالها بقوانين تضمن حق الصحفيين والإعلاميين في العمل بحرية وحق المجتمع فى المعرفة والتعبير وتدفق المعلومات دون وصاية أو سيطرة من جهات أو أجهزة بعينها. وحتى يحين ذلك الوقت فلابد من التحرك القانوني لإلغاء اللائحة والطعن على نصوصها كاملة، فكل ما احتوته من بنود يمثل تكريسا للرغبة في استكمال السيطرة على المجال العام ومصادرة كل مساحة لا زالت متاحة للتعبير. وستظل معركة التصدي لها ليست معركة الصحفيين وحدهم ، ولكنها معركة المجتمع بأسره دفاعا عن حرياته وحقوقه الأساسية والدستورية.

(نقلا عن صفحته)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق