سليم عزوز يكتب: قراءة أولية في قانون الإعلام المصري “1 و 2”

1

في أجواء معادية للحريات العامة بشكل عام، ولحرية الصحافة على وجه التحديد، يخرج مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام، بعد طول انتظار، سرا من مجلس الدولة الذي يُعهد إليه بصياغة القوانين، إلى البرلمان، ولأن الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس، فقد كان مقررا أن يتم تمريره في السر ليفاجأ به الرأي العام، وقد تمت الموافقة عليه، منشورا في الجريدة الرسمية!

قانون الصحافة والإعلام، كان من المقرر إقراره في الفصل التشريعي الأول لانعقاد البرلمان، ضمن حزمة قوانين أخرى، من بينها قانون المصالحة وقانون بناء الكنائس، لكن السلطة المعادية للصحافة، وتعبر عن هذا العداء كثيرا بصياغات مختلفة وبأفعال لا تخطئ العين دلالتها، كانت تنتظر الأجواء المناسبة للتعامل مع المشروع الذي أعدته لجنة شكلت لهذا الغرض، وضمت خمسين شخصا بدعوة من المجلس الأعلى للصحافة وقد شاركت فيها نقابة الصحفيين، وعدد آخر ينتمي للجماعة الصحفية، كما شارك فيها عدد من الإعلاميين بالتلفزيون المصري!

يحتوي قانون اللجنة على (206) مواد، تم تسليمها للحكومة، التي وعدت بالالتزام بما أقرته نقابة الصحفيين، على نحو هلل له أحد أعضاء مجلس النقابة لهذا التناغم بين نقابته والحكومة، وقد طالبته حينئذ بأن ينتظر فالحداية لا تلقي كتاكيت، والسلطة المعادية لحرية الصحافة، لا يمكن أن تنصف هذه الحرية بقانون تملك سلطة إقراره.

لقد كانت البداية لا تبشر بالخير، فقد جرت مخالفة النص الدستوري، فلم يعرض المشروع على البرلمان في دورة الانعقاد الأولى، وتم ترك فراغ تشريعي بهذا التأجيل، استغله القائمون على المجلس الأعلى للصحافة في إصدار قرارات يفتقد دستوريا صلاحية إصدارها، فهناك رؤساء تحرير انتهت فترة ولايتهم قانونا، وصار وجودهم في مواقعهم باطلا، فكان التدخل بقرار باطل لمعالجة موقف أكثر بطلانا.

المجلس الأعلى للصحافة، القيم على الصحف القومية في مصر (وهي الصحف المملوكة للدولة)، ومن بيده سلطة منح الترخيص لصحف جديدة، تشكل في بداية الانقلاب العسكري، من خيول اليسار التي لا تصهل، لزوم هذه المرحلة، عندما كان الانقلاب يدغدغ المشاعر الجياشة للقوى السياسية الفاشلة، بأنه بإسقاط الحكم المنتخب سيتم تمكينهم هم من صدارة المشهد السياسي بشرعية الدبابة!

فتشكلت حكومة حازم الببلاوي، نائب رئيس الحزب المصري الاجتماعي، وضمت الناصري كمال أبو عيطة، والناصري أيضا ونائب رئيس حزب الدستور حسام عيسي، كما ضمت القيادي بالحزب الاجتماعي أيضا زياد بهاء الدين!

وهي مرحلة انتهت وصار اللعب على المكشوف، بإبعاد هؤلاء، وتشكيل حكومة من الفلول وبرئاسة أحدهم وهو إبراهيم محلب عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل، وهي اللجنة التي شكلها جمال مبارك!

وكانت سلطة الانقلاب بين خيارين، إقرار مشروع قانون الإعلام بما يعني انتهاء مرحلة المجلس الأعلى للصحافة بتشكيله، أو انتظار اللحظة المناسبة لإقرار هذا القانون، فتم تقديم الانتظار، مع استمرار المجلس الأعلى للصحافة منزوع الصلاحيات، وكانت هناك محاولة للالتفاف على التشكيل الحالي بتمرير قانون يعطي للسيسي حق إعادة تشكيل المجلس، لكن هذه المحاولة فشلت لأنها اصطدمت بنص دستوري ينص على أن تشكيل المجلس الأعلى للصحافة يكون لمرة واحدة!

القانون الذي أرسل من مجلس الدولة إلى البرلمان، يحتوي على (227) مادة، وهو معيار شكلي يؤكد أنه ليس نفس المشروع الذي أعدته ما سمي باللجنة الوطنية لإعداد التشريعات الصحفية والإعلامية، ولا نعرف ما إذا كان التدخل تم عن طريق الحكومة، أم أنها عهدت إلى مجلس الدولة تحويل أهواء السلطة إلى نصوص وبالتدخل بالتعديل في المشروع الأصلي، بما يعني تجاوز الدور الوظيفي من حيث كون مجلس الدولة هو جهة صياغة وليس مركز تشريع!

ولأن السلطة تدرك أن هناك تعديلات جوهرية على المشروع الأصلي تخل بحرية الصحافة، فقد كان القرار بفرض أستار السرية حوله، فلما علم به الرأي العام الصحفي، كان اللافت دعوة محررين من اختيار الأجهزة الأمنية لاستكمال الشكل بحضورهم المناقشة في لجنة الإعلام بمجلس نواب السيسي، وجرى تغييب نقابة الصحفيين، فلم توجه الدعوة لها رسميا، ليحضر النقيب أو من ينوب عنه، لكن تمت دعوة ثلاثة من أعضاء المجلس بعيدا عن المؤسسة النقابية، ولم يثبت أن من بين من تمت دعوتهم من يملك فهما للتشريعات، أو وعيا بقضايا المهنة!

من المناقشات في البرامج التلفزيونية أمكن الوقوف على أن لجنة إعداد التشريعات لم تفوض مجموعة منها بالتفاوض مع الحكومة، لكن هؤلاء تطوعوا بالقيام بالمهمة وكان الرأي انتهى بأن يعودوا إليها بما انتهت إليه المفاوضات، وهم لم يفعلوا ذلك لأن ولاءهم للسلطة مقدم على انتمائهم للمهنة ومن بينهم نقيب الصحفيين الأسبق ضياء رشوان، الذي من الواضح أنه وعد برئاسة مؤسسة الأهرام بعد الانتهاء من إقرار القانون، وتشكيل الكيان الذي سيكون من سلطته اختيار قيادات المؤسسات الصحفية الرسمية، وهي “الهيئة الوطنية للصحافة”، المنصوص عليها في الباب السابع من مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام.

اللافت، أنه لم يجر الاهتمام بالنصوص/ الجريمة الواردة في المشروع الحكومي، فالمناقشات كلها انصبت على الشكل، مثل التعرض لموقف اللجنة المتطوعة للتفاوض مع الحكومة وتواطئها معها، ومثل عدم دعوة أهل الذكر في التشريعات الإعلامية للمناقشة في اجتماعات لجنة الإعلام بالبرلمان، وهو أمر مهم لكن لا ينبغي أن يستغرقنا حد التجاوز عن النصوص سالفة الوصف، لاسيما وأن السلطة الحاكمة تنظر إلى إقرار مشروع القانون كما لو كان مسألة حياة أو موت، لدرجة أن نائبا اعترض على المشروع داخل لجنة الإعلام بالبرلمان وهدد بالاستقالة منها، فتم توزيع فيديو جنسي له على نطاق واسع!

وهو مشروع قانون، جاء في الأصل لمهمة تكميم الأفواه بالقانون، حتى لا تضطر السلطة الحاكمة لاتخاذ إجراءات توصم بمخالفة القانون!

ففي تعريف المشروع، للصحيفة وللوسيلة الإعلامية، يتسع التعريف ليشمل المواقع الإلكترونية، والرقمية، على شبكة المعلومات الدولية، والمعنى ينسحب على المدونات وعلى القنوات التلفزيونية على اليوتيوب، التي يقوم عليها أفراد من باب الهواية، ناهيك عن المواقع الإلكترونية بكل أشكالها، فالمادة (65) تنص على: “لا يجوز إنشاء أية وسيلة إعلامية مسموعة أو مرئية أو رقمية أو تشغيلها أو الإعلان عن ذلك، قبل الحصول على ترخيص من المجلس الأعلى”. واللافت أن طلب الترخيص الصادر يحدد للمرخص له جملة اشتراطات من بينها “مدة الترخيص”، و”مقاييس جودة الخدمة وكفاءتها” كما جاء في نص المادة (68)، وإن كانت المادة (67) حددت مدة ترخيص مزاولة الوسيلة للعمل الإعلامي بعشر سنوات.

والمعنى هنا أن الترخيص محدد المدة، ينتهي بانتهائها، وتكون الجهة الإدارية دائما هي من تملك تحديد مصيرها الوسيلة الإعلامية، مما يجعل من يقوم على هذه الوسيلة الإعلامية خاضعا للرقابة الذاتية. فضلا عن أن تحديد “مقاييس الجودة” ابتداء يعني أنه إذا قل عنها لأسباب مادية، أو زاد فيها، يكون قد خالف شروط الترخيص، مما يجعله يخضع لعقوبة إلغاء هذا الترخيص، وهو من الأمور المنصوص عليها في المادة (72)، البند (2) فللمجلس الأعلى الحق في إلغاء ترخيص البث الإعلامي في حالتين:

الأولى: إذا لم يباشر المرخص له العمل الإعلامي خلال سنة من تاريخ منح الترخيص. والثاني: إذا فقد المرخص له شرطا من شروط الترخيص المحددة في هذا القانون أو خالف حكما من أحكامه.

وليس هذا فحسب، ففي الباب التاسع الخاص بالعقوبات تم النص في المادة (214): “يعاقب بغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على ثلاثة ملايين جنيه كل من قام بعملية البث الإذاعي أو التلفزيوني دون ترخيص، وتحكم المحكمة فضلا عن ذلك بالغلق ومصادرة المعدات والأجهزة ومكوناتها التي استعملت في ارتكاب الجريمة” وهذا يسري على بث الفيديوهات وإنشاء الإذاعات والقنوات على مواقع الإنترنت!

وبخصوص مخالفة البندين السابقين الخاصين باشتراطات الترخيص فـ “تعاقب المؤسسة الإعلامية بغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على مليوني جنيه إذا ثبت مخالفة طبيعة النشاط المرخص لها به، فضلا عن إلغاء الترخيص”، بحسب المادة (215).

وفي تعريف الإعلام المسموع أو المرئي أو الرقمي الذي لا يمارس وظيفته إلا بترخيص، نصت المادة الأولى البند (6) على أنه “كل بث إذاعي أو تلفزيوني أو رقمي يصل الجمهور، أو فئات معينة منه، بإشارات أو أصوات أو رسومات أو كتابات، لا تتسم بطابع المراسلات الخاصة، بواسطة أي وسيلة من الوسائل السلكية واللاسلكية الحالية أو المستحدثة وغيرها من التقنيات الحديثة، أو أي وسيلة من وسائل البث والنقل الإذاعية والتلفزيونية والرقمية، وغيرها”.. لاحظ “وغيرها”!

وإذا كانت الأجهزة المستخدمة في البث صارت بسيطة وفي حوزة أفراد فإن المادة (217) تنص على توقيع “عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لهؤلاء وغيرهم”، وهو أمر ينطبق على الهواتف التي بواسطتها يتم تشغيل خدمة البث المباشر عبر “الفيسبوك” مثلا!

وعلى ذكر الهواتف، فقد نصت المادة (74) على: “لا يجوز بث المواد الإعلامية المسموعة والمرئية الرقمية على الهواتف الذكية، قبل الحصول على ترخيص من المجلس الأعلى”.

وهي مادة تؤكد على أن من وضعوا هذا المشروع قدموا توا من العصر الحجري للإعلام، فليست لهم دراية بالتطور الإعلامي إلا سماعا جعلهم لا يقدرون طبيعة هذا العصر، حيث أن كثيرا من البرامج على الهواتف تقوم بهذه المهام التي صارت بسيطة وعادية، لكن أنى لحكم العسكر أن يشعر بتقدم البشرية، وهم أنفسهم الذين ظنوا أنه يمكن علاج الإيدز بكفتة اللواء عبد العاطي!

2

عندما ينص قانون الإعلام المصري الجديد، على عدم جواز الحبس الاحتياطي أو الإفراج بكفالة في الجرائم التي تقع بواسطة الصحفيين أو الإعلاميين (م38)، فإن ظاهر النص بالنسبة لمن يتمتعون بحسن النية وسلامة الطوية، يعد خطوة للأمام، صحيح أن النص لم يأت بجديد، فقد ألغى الرئيس محمد مرسي تماما الحبس الاحتياطي في قضايا النشر، لكن تأكيده في القانون، لابد أن يكون له دلالته من وجهة نظر أهل الغفلة!

وقد نصت المادة (67) من قانون نقابة الصحفيين (76) لسنة 1970، بأنه لا يجوز القبض على عضو نقابة الصحفيين وحبسه احتياطيا، وذلك في عدد من الاتهامات المنصوص عليها في قانون العقوبات. ثم جرى تعديل على قانون العقوبات واقتصر الحبس الاحتياطي على جريمتين فقط: الأولى إهانة ممثل لدولة أجنبية، والثانية إهانة رئيس الجمهورية، وعندما أصدرت النيابة العامة قرارها بحبس “إسلام عفيفي” رئيس تحرير جريدة “الدستور”، بتهمة “إهانة الرئيس” محمد مرسي، بادر الرئيس وأصدر قراره التاريخي بإلغاء الحبس كلية في الجرائم التي تقع بطرق النشر المختلفة.

صحيح أن هناك تطورا إيجابيا يبدو بالنظرة الأولى لقانون الإعلام الجديد، في النص على عدم الإفراج بكفالة، لكن بعد أن “يأخذ الناظر نفسه” سيكتشف أنه نص لا معنى له، فهو تزيد خاطب به المشرع الرأي العام الصحفي وهو في جملته يفتقد للثقافة القانونية، مما يدفع للنظر إلى ذلك باعتباره إنجازا، يشكر النظام الحاكم عليه، لأنه يؤكد حرصه على حرية الصحافة والصحفيين والإعلام والإعلاميين!

بيد أن “أهل الذكر” يعلمون أنه تحصيل حاصل، فلا يجوز للنيابة العامة أن تصدر قرارا بالإفراج بكفالة إلا مع الجرائم التي يجوز فيها الحبس الاحتياطي، فالكفالة تدور مع عقوبة الحبس الاحتياطي وجودا وعدما!
بيد أن التضليل هنا مرده إلى أن النائب العام الراحل، أصدر قرارات بالإفراج بكفالة في قضايا نشر، كما حدث مع الزميل “إبراهيم عارف” رئيس تحرير جريدة “البيان”، في بداية الانقلاب العسكري، وهي قرارات تمثل عدوانا على القانون، وتجاوزا ضد حرية الصحافة، وإساءة لاستعمال السلطة، وقد نبهت إلى هذا في حينه!

إن القراءة المتأنية للمادة سالفة الذكر، ستجعلنا نقف أمام حفرة، لم يتم الانتباه لها، حتى من قبل الذين عارضوا هذا القانون؛ ولا تحدثني عن المناقشة في البرلمان، فالذي حدث هو عملية “سلق بيض”، جرت بسرعة واستغلالا لانشغال الرأي العام بحادث تفجير الكنيسة وتداعياته، وقد تم إقرار مشروع القانون في جلسة يوم الأربعاء الماضي، في الجلسة ذاتها التي أقر فيها قانون آخر هو قانون نقابة الإعلاميين، ولا أعتقد أنه حدث في تاريخ البرلمان المصري أن تم إقرار قانونين في جلسة واحدة وبهذه السرعة!

المادة (38) تمثل ردة، فعندما يكون النص بأن يقتصر عدم توقيع عقوبة الحبس الاحتياطي والإفراج بكفالة على الصحفيين والإعلاميين، فإنه يذكرنا بأجواء القانون 95 لسنة 1993، الخاص بتنظيم الصحافة الذي أطلق عليه الصحفيون قانون تكميم الأفواه وخنق الصحافة، واجتمعت جمعيتهم العمومية دون دعوة من أحد، واستمرت في انعقاد مستمر لسنة كاملة، وبشكل وصفه “هيكل” بأنه “حشد قتال”، وقد أجبرت الجماعة الصحفية مبارك على إلغاء القانون، وهو الذي قال في حوار مع وكيل أول النقابة الراحل “جلال عيسى” عندما طالبه بإلغائه في بادئ الأمر وقبل ثورة الصحفيين، بأنهم ليسوا “باعة ترمس” يصدرون قانونا في الصباح ويلغونه في المساء، لكن بعد نضال تم إلغاؤه بالقانون 96 لسنة 1996.

سقط قانون تكميم الأفواه، ولم نعد نتذكر من نصوصه، إلا النص الذي جمع الصحفيين ضده من كل الصحف وكل التيارات، وهو النص الخاص بالحبس الاحتياطي، وأمام ضغوط الجماعة الصحفية، فكرت السلطة في الالتفاف بأن تجعل من الإعفاء من الحبس الاحتياطي، للصحفيين أعضاء النقابة فقط، وهو ما تم رفضه، لأنه يمثل إخلالا بالمراكز القانونية المتساوية، فهناك كتاب غير مقيدين في النقابة، وهناك صحفيون غير نقابيين، يكتبون ويحررون الصحف، وهناك قراء يرسلون الشكاوى الخاصة بهم للصحف لنشرها، وفي هذه الأجواء كانت إحدى المحاكم قد أصدرت حكما بعقاب قارئة بالسجن على شكوى منشورة في إحدى الصحف، فعزز هذا من موقف الرفض لهذا التمييز لمن هم في مركز قانوني واحد!
لقد فشلت خطة السلطة في الالتفاف، وكان النص القانوني بإلغاء الحبس الاحتياطي في قضايا النشر أو الجرائم التي تقع بواسطة الصحف، وصرنا بذلك أمام وضع قانوني مستقر، فجاء قانون الإعلام الجديد ليقر ما كانت تريد السلطة إقراره في سنة 1995!

فالمعنى من نص المادة (38) من قانون الإعلام الجديد، أنه يمكن لصحفي أو إعلامي أن يجري مقابلة مع أحد الأشخاص، سواء نشرت في صحيفة أو أذيعت في برنامج فيكون هذا مبررا لحبس الضيف احتياطيا، وهو ما يفتح الباب للانتقام بالقانون من الأشخاص الذين تتم استضافتهم في برامج التوك شو، بل قد تتحول هذه البرامج إلى “أكمنة” لاصطياد المعارضين، لتمكين سلطة الحكم العسكري من الانتقام السريع منهم، وفي أمور قد لا تمثل جرائم، فإذا كان الحكم القضائي بإدانته بالغرامة، أو صدر بالبراءة، تكون السلطة قد أخذت بحقها من الضيف بعملية حبسه احتياطيا، وبالمدة التي “تشفي غليلها”!

وفي أزمة القانون 93 لسنة 1995، كان يقال إن النيابة جهة قضائية مستقلة، وبالتالي فلا يجوز الخوف من أن تستخدم أداة في يد السلطة للانتقام، فما الذي يخيف الصحفيين إذن؟ إلا أنهم يريدون أن تكون على رؤوسهم ريشة. مبارك هو من قال حينئذ إن الصحفي ليس على رأسه ريشة ليُعفى من الحبس الاحتياطي في قضايا السب والقذف!

كان الحديث عن عدم استقلال النيابة والقضاء حساسا، ومع ذلك رفضت جماعة الصحفيين إقرار الحبس الاحتياطي في قضايا النشر، ولو كانت الجهة التي بيدها عقدة الأمر مستقلة تماما، هذا فضلا عن افتقاد المبرر القانوني للحبس الاحتياطي في قضية منشورة، فلا يخشى من ضياع الأدلة، ومن متهم معروف لا يخشى من هروبه، لاسيما أن الدعاوى القضائية تختصم المؤسسة الصحفية ورئيس التحرير!

لقد صار اللعب الآن على المكشوف، ورأينا كيف جرى توظيف بعض الدوائر القضائية لصالح السلطة، فتصدر أحكاما بالسجن على موتى، قبل وقوع الجريمة، وعلى مساجين، وتوجه الاتهام لأعمى بقنص ضباط شرطة، كما رأينا كيف أن النائب العام خالف القانون وأفرج عن صحفيين بكفالة، والنيابة في النهاية تتبع وزير العدل، وإن كان لها اختصاص قضائي!

واللافت أن المادة (38) بها عوار دستوري، فالمادة (71) من الدستور في الفقرة الثانية جاء نصها “لا توقع عقوبة سالبة للحريات في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر والعلانية…”، فالامتياز الدستوري للجريمة وليس لمرتكبها، وهذا التمييز يلزمه الدفع أمام محكمة الموضوع بإحالته للمحكمة الدستورية، وبعد أن يكون قد نكل بالمتهم بقرارات الحبس الاحتياطي، وقد ترتأي النيابة بعد قراراتها أنه لا وجه لإقامة الدعوى أو تحفظ البلاغ أو تتركه مفتوحا، فلا تحيله للمحكمة المختصة التي بيدها وحدها سلطة إحالة الدعوى للمحكمة الدستورية، التي لا تقبل الطعون من آحاد الناس وإنما بطريق الإحالة.

الخلاصة، أننا أمام نص كارثي، إذا قام بإعفاء الصحفيين والإعلاميين، فإنه سيكون مصيدة، للضيوف، وللكتاب من غير الصحفيين، وللقراء على باب الله، ليزيد من قبضة القمع على وسائل الإعلام، وهي ردة تليق بهذا الحكم المستبد الذي يحكم مصر، وقانونه يؤسس لفكرة أن الصحافة جريمة!
وما خبث لا يخرج إلا نكدا!

 *المقال نقلا عن عربي21
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق