ورقة بحثية حول “الإفلات من العقاب” في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين

قي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام؛ يحِل اليوم العالمي لمكافحة الإفلات من العقاب، وهي الذكرى السنوية لمقتل صحفيين فرنسيين في مالي في عام 2012، ومنذ ذلك الحين جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2013، بتكليف اليونسكو بوضع خطة لمناهضة هذه الظاهرة، وكذلك العمل على رفع الوعي بهذه الظاهرة، من خلال الاحتفال العالمي في المؤتمرات والندوات وغرف الأخبار.

وتأتي العديد من القوانين والمواثيق والعهود الدولية التي تحاول أن تحمي الصحفيين من الانتهاكات، ومن التعرض لمخاطر يمكن أن تودي بحياتهم أثناء تغطيتهم لأعمال عنف أو نزاع مسلح؛ إيمانًا منهم بأهمية الرسالة التي تقدمها الصحافة ودورها في توعية الشعوب وتكوين الرأي العام، كضمانة أساسية للديموقراطية، ولكن بالنظر إلى التشريعات الداخلية؛ لا نجد ما يعزز هذا القانون ولا هذه الحماية، بل نجد واقع مرير من انتهاكات مستمرة أغلبها من أجهزة الدولة الأمنية.

كما نجد ضحايا وأنماط متنوعة من الانتهاكات خلال 3 سنوات سيتم عرضها، على سبيل المطالبة بعقاب الجهات المنتهكة للحقوق والحريات الصحفية، وأن ينظر المشرع إلى كيفية ترجمة هذه النصوص والقوانين الدولية أو الحقوق العامة، بموجب الدستور في صورة قوانين وتشريعات فعالة تحمي الصحفيين من المخاطر المهنية، وتحمي الحق في الحصول على المعلومات.

التعريف باليوم العالمي لمكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين

تم إقرار اليوم العالمي لمكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين من جانب الجمعية العامة في دورتها الثامنة والستين، المنعقدة في عام 2013 بموجب القرار 163\68، الذي أعلن يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر، وقد جرى اختيار هذا التاريخ إحياءً لذكرى اغتيال الصحفيَين الفرنسيين في مالي في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2013.

وتم إقرار هذا اليوم بعد أن تفشت ظاهرة القتل من الصحفيين؛ إذ أنه بحسب إحصائيات الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة حتى عام 2013، تم قتل أكثر من 700 صحفي حول العالم أثناء تأدية عملهم، بمعدل حالة وفاة كل خمسة أيام، وتسع حالات من عشرة يظل القاتل بلا عقاب.

نص التوصيات المرجوة من القرار.. والهدف الأساسي من إقرار اليوم العالمي لمكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين

تحث الدول الأعضاء على بذل قصارى جهودها لمنع أعمال العنف ضد الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام، وعلى كفالة المساءلة عن طريق إجراء تحقيقات محايدة وسريعة وفعالة، في جميع ما يدعى وقوعه في نطاق ولايتها من أعمال عنف ضد الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام، وعلى تقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة وضمان وصول الضحايا إلى سبل الانتصاف المناسبة.

تهيب بالدول أن تشجع على تهيئة بيئة آمنة ومواتية للصحفيين؛ لكي يقوموا بعملهم باستقلالية ودون تدخل لا موجب له، وذلك بوسائل منها:

(أ) التدابير التشريعية

(ب) توعية العاملين في الجهاز القضائي والموظفين المكلفين بإنفاذ القانون والعسكريين وكذلك الصحفيين والمجتمع المدني، بالواجبات والالتزامات المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني فيما يتصل بسلامة الصحفيين

(ج) رصد الاعتداءات على الصحفيين والإبلاغ عنها

(د) الإدانة العلنية للاعتداءات

(ه) تخصيص الموارد اللازمة للتحقيق في هذه الاعتداءات ومقاضاة مرتكبيها

ما هي الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين بحسب المواثيق الدولية؟

نص قرار الجمعية العامة بإقرار اليوم العالمي لمكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، على تسليمهم بأن الصحفي معرض للـ”تخويف والمضايقة والعنف”، وأنهم معرضون للمخاطر في مناطق النزاع المسلح، وإشارات أيضًا إلى المخاطر التي تواجهها الصحفيات بناءًا على الفروق بين الجنسين، وإشارات أيضًا إلى التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء وحالات الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي وأعمال الترهيب والمضايقة.

كما ذكر المشروع العالمي لحماية الصحفيين في البند الثاني، صور الانتهاكات ضد الصحفيين في “قتل أو تعذيب أو اختفاء قسري أو اعتقال تعسفي أو نفي أو ترهيب أو تحرش أو تهديد أو أي من أشكال أو أفعال العنف أو التمييز السلبي، الفعلي أو القانوني، الموجهة ضدهم أو ضد ذويهم أو أي عمل تعسفي آخر ينتج عن ممارستهم للحقوق المذكورة في هذا الإعلان، مثل المراقبة العشوائية أو غير القانونية أو اعتراض اتصالاتهم بشكل يخرق حقهم في الخصوصية وحريتهم في التعبير”.

قصور التشريع المصري في حماية الصحفيين

على الرغم من أن كل المواثيق والجهود الدولية تنادي بضرورة وجود تشريعات لحماية الصحفيين أثناء تأدية عملهم، من مختلف الانتهاكات، وأن يتم إجراء التحقيقات في كل الانتهاكات ضدهم واعتبارهم مدنيين يجب حمايتهم أثناء الاشتباكات أو النزاعات المسلحة.

وأن يتم الاهتمام بهم وبعقوبات انتهاكهم بشكل منفصل بسبب طبيعة عملهم وأهمية دورهم في قيام حياة ديموقراطية سليمة، وتنمية الوعي لدى المواطنين بقضايا وطنهم، مثل قانون المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2010، الذي ينص على أنه “يلزم لحرية الصحافة حماية خاصة؛ كي تتمكن من لعب دورها الحيوي المنوط بها، وتقديم المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام”، إلا أن التشريع المصري لم يختص الصحفيين بأي حماية خاصة، ومن ثمَّ تسري عليهم القوانين المدنية.

وفي أغلب الحالات، يتم اعتبار الصحفي لتواجده في أماكن نشوب اشتباكات كمتهم، ويتم التعسف معهم وممارسة انتهاكات ضدهم، على الرغم من عدم كونهم طرفًا في النزاع؛ فأغلب الأحداث التي يكون فيها اشتباكات يكون الصحفي ضمن المتهمين بالتظاهر والتجمهر أو يتم التعامل معه كأحد ضحايا الحادث، دون محاسبة جنائية للجاني؛ أي أن طبيعة عمله التي تعرضه للمخاطر تكون سبب في انتهاك حقوقه المدنية والتعدي عليه وضياع حقه في تحقيق العدالة، وأغلب القضايا تقوم النيابة العامة بحفظ التحقيقات فيها، أو يتم استنفاذ درجات التقاضي دون تحقيق العدالة المرجوة.

أما بخصوص التشريعات المقترحة، فسنفرد في نهاية الورقة جزءًا خاصًا بالتوصيات اللازمة لحل مثل هذا القصور.

اللجوء إلى المحاكم القارية (اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب)[1]:

صدقت مصر على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، ومن ثمَّ أصبح من الممكن اللجوء إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب؛ للتقاضي أمامها بشأن الانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان التي أقرها الميثاق.

وتأتي فائدة هذه المحكمة، في حال عدم الرضا عن تحقيق العدالة داخل الدولة أو لمكافحة الإفلات من العقوبة على المستوى المحلي بعد استنفاذ درجات التقاضي أو لطول آليات التقاضي لإعادة النظر في القضية، ويمكن استخدامها كأداه ضغط لتغيير تشريعات غير عادلة أو معالجة المشاكل الهيكلية، وفي حال قبول الشكوى تسعى اللجنة إلى تحقيق التسوية الودية بين الأطراف، مع ضمان التعاون الكامل وتوازن القوى بين الطرفين، وإذا لم يتم تسيير الإجراءات حتى الوصول إلى قرار، إلا أن قرارات اللجنة غير ملزمة قانونًا، ومن الممكن أن تتجاهل الدولة البلاغ وألا تتعاون مع اللجنة؛ إلا أنها يمكن أن تكون أداة للضغط وبخاصة في وسائل الإعلام.

إجمالي الشروط اللازمة للجوء للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب:

1- يجب أن تكون الشكوى موقَّعة، ومذكور فيها الاسم والعنوان (ليس بالضرورة أن يكون المشتكي هو الضحية)، ويمكن طلب عدم إعلان الهوية دون ذكر أسباب.

2- يجب أن تحوي انتهاك واضح للحقوق الموجودة بالميثاق.

3- وجود وسيلة تواصل مع المشتكي، لا يشترط السفر ويمكن أن تتم عبر المراسلات.

4- لا تتضمن ألفاظ نابية أو مسيئة، وأن تكون اللغة المستخدمة محايدة وألا تحاول النيل من نزاهة أو سمعة أي شخص أو مؤسسة أو دولة.

5- أن تكون في خلال 6 شهور من استنفاذ درجات أو آليات التقاضي المحلية المتاحة والفعالة والكافية، أو عندما تلغي الدولة اختصاص المحاكم العادية وتستبدلها بالمحاكم الاستثنائية، أو في حالة طول فترة الآليات بدون مبرر، أو في حالة هروب المشتكي من وطنه ووجود معوقات تمنعه من استنفاذ آليات التقاضي.

6- ألا يكون سبق وتم تسوية القضية من قِبل الدول الأطراف، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، أو وفقًا للقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، أو أحكام هذا الميثاق.

7- يفضل أن يحدد المشتكي واقعة محددة للانتهاك وسوَّق لها الأدلة الموضوعية، وأن يحدد المواد التي تم انتهاكها في الميثاق، وأن يقوم بالبحث في مجموعة أحكام اللجنة والسوابق القضائية الدولية لحقوق الإنسان، التي تتناول الحقوق موضع الشكوى.

8- يجب على المشتكي طلب آلية إنصاف محددة بشكل واضح مع تبرير سبب ملائمتها، ويفضل ألا تكون الآلية لحل المشكلة بشكل فردي، وأن تشمل تغييرات هيكلة تعالج النظام المعيب، مثل الهيكل القانوني أو السياسات، وأن تطالب بالتحقيق مع الجناة ومعاقبتهم.

أنماط الانتهاكات والجرائم المرتكبة ضد الصحفيين.. وفقًا للمعايير الخاصة بالمرصد من وحي الواقع المصري:

يلزم التنويه بأن كل الحالات والانتهاكات التي رصدها “صحفيون ضد التعذيب” تخضع لمعايير دقيقة، تتعلق بأن يكون الانتهاك على خلفية عمل الصحفي وأثناء تأدية عمله، وتم توخي الدقة والحذر أثناء الرصد وفقًالمنهجية رصد وتوثيق الانتهاكات.

1-  القتل

2- الاحتجاز غير القانوني

3- التعدي بالضرب أو إحداث إصابة

4- التعدي بالقول أو التهديد

5- اقتحام مقر مؤسسة صحفية

6- الاستيلاء على معدات صحفية

7- حرق أو إتلاف معدات صحفية

8- التعدي بالضرب أو إحداث إصابة داخل مكان احتجاز

9- التحرش

ضحايا القتل من الصحفيين:

في ذكرى اليوم العالمي لمكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، يجب إعادة المطالبة بإجراء التحقيقات والقصاص لمَن كانوا ضحية قيامهم بمهامهم واستشهدوا أثناء تأدية عملهم منذ ثورة يناير 2011 وحتى الآن، وهم عشر ضحايا – وفقًا لإحصاء المرصد – لم يتم معاقبة أيًا من الجناة، ومن الجدير بالذكر أن أغلب الضحايا قتلوا على أيدي أجهزة أمنية.

ويلزم التنويه بأن المرصد قد قام بأقصى درجات التقصي والتحقيق، وفقًا لمعايير محددة تتعلق بسقوطهم ضحايا أثناء تأدية عملهم، وأن هناك حالات أخرى يرجح أنها لم يتحقق فيها شرط مقتلها أثناء عملها.

أولاً: ضحايا لم يتم رفع دعوى جنائية لصالحهم

صلاح الدين حسن صلاح الدين

قُتل أثناء تغطيته الاحتجاج الشعبي في ساحة الشهداء ببورسعيد ضد الرئيس الأسبق محمد مرسي، يوم 28 يونيو 2013، جراء انفجار عبوة ناسفة أخذها ليبعدها عن المتظاهرين، ولم يتم تحريك دعوى جنائية لصالحه.

2ـ أحمد سمير عاصم السنوسي

قتل أثناء تغطيته لأحداث الحرس الجمهوري، يوم 8 يوليو 2013، حيث تمكن من تصوير الاشتباكات التي اندلعت بين محتجين على عزل “مرسي” والقوات المكلفة بتأمين المنشأة العسكرية، وأثناء تصويره للقناص الذي يستهدف المعتصمين؛ وقع ضحية له، ولم يتم تحريك دعوى جنائية لصالح القتلى في تلك واقعة، وانما تم تحريك دعوى بالتجمهر واستعراض القوى والتعدي على أفراد الأمن، وفي نوفمبر 2013 تمت إحالة المدنيين للمحاكمة العسكرية، ودخل الصحفي ضمن الضحايا الذي أفلت جناتهم من العقاب.

ثانيًا: ضحايا تم رفع دعوى جنائية لصالحهم

1ـ وائل ميخائيل

أصيب بطلقة أثناء تغطيته لأحداث ماسبيرو، في 9 أكتوبر 2011، التي كان المسؤول الأساسي فيها الشرطة العسكرية، وانقسمت القضية لشقين؛ الأولى أمام المحكمة المدنية والمتهم فيها مدنيين بعدد من التهم من بينها “التجمهر واستعراض القوة والتعدي على المنشآت”، ولا تزال التحقيقات فيها سارية إلى الآن، أما الثانية فهي أمام المحاكم العسكرية؛ حيث أحيل فيها دعوى جنائية لضحايا الحادث ومن بينهم الصحفي وائل ميخائيل، وصدر فيها حكم بإدانة ثلاثة جنود لقيادة المدرعات بطريقة خاطئة (قتل خطأ)، بالسجن من سنتين إلى ثلاث سنوات.

2ـ أحمد محمود

قُتل برصاص الداخلية أثناء تغطيته لأحداث ثورة 25 يناير 2011؛ إذ أصيب في 29 يناير خلال تواجده في شرفة منزله بعدما طالبه نقيب شرطة بالتوقف عن التصوير، وقد توفي في فبراير 2011، وتقدمت نقابة الصحفيين ببلاغ إلى النائب العام مطالبةً بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة للقصاص العاجل، وذلك بموجب القضية رقم 358 لسنة 2011، عرائض جنوب القاهرة، المقيدة برقم 767 لسنة 2011، نيابة حوادث جنوب القاهرة الدور الخامس مجمع محاكم جنوب القاهرة.

وبتاريخ 24 سبتمبر 2016، أسدل القضاء الستار نهائيًا على قضايا جميع الضباط المتهمين بقتل متظاهري ثورة 25 يناير، بعد أن قضت محكمة النقض برفض طعن النيابة العامة على حكم براءة آخر أفراد الأمن المتهمين بقتل المتظاهرين.

وتم إفلات جميع المتهمين من العقاب، وذلك على الرغم من أن هذه القضية هي الوحيدة من قضايا قتل المتظاهرين التي كان تتضمن دليلًا مصورًا من الشهيد نفسه للنقيب الذي أطلق النار عليه، ومن أوجه التخاذل أيضًا رفض الضباط الأربعة الامتثال إلى طلبات الاستدعاء، ولم تصدر النيابة أمر ضبط وإحضار لهم، كما تهربت وزارة الداخلية من كشف هويتهم.

3ـ الحسيني أبوضيف

قُتل في أحداث الاتحادية في 12 ديسمبر 2012، بخرطوش في الرأس، ورغم رفع دعوى جنائية توجه تهمة القتل العمد لعدد من المتهمين؛ إلا أنه تم الفصل بالبراءة من هذه التهمة تحديدًا، وذلك موجب القضية رقم 10790 لسنة 2013 جنايات مصر الجديدة، المقيدة برقم 936 لسنة 2013 كلي شرق القاهرة، المتهم فيها الرئيس الدكتور محمد مرسي ومساعديه أسعد الشيخة، وأحمد عبد العاطي مدير مكتبه، و12 آخرين.

4ـ تامر عبد الرؤوف (شهيد حظر التجوال )

تم إطلاق النار عليه داخل سيارته من قبل قوات الجيش، في 19 أغسطس 2013، عقب اجتماعه مع محافظ البحيرة، وذلك بدعوى خرقه لقرار رئيس الوزراء (رقم 772 لسنة 2013) بشأن إعلان حظر التجول في بعض المحافظات، على الرغم من اخبارهم بأنهم بأن حظر التجوال مرفوع عنهم لأدائهم مهمة صحفية، وأن الواجب تأمينهم.

ومن المفترض أن عقوبة كسر الحظر هي الحبس؛ أي أنه كان المفترض أن يتم إلقاء القبض عليهم والتحقيق معهم، وإذا ثبت إدانتهم تحدد عقوبة الحبس وليس القتل؛ الأمر الذي يعد جريمة قتل يعاقب عليها قانون العقوبات، خاصةً أن قانون تنظيم الصحافة المصري رقم 96 لسنة 1996 منح الصحفيين بموجب المادة (7) منه “الحق في حضور المؤتمرات وكذلك الجلسات والاجتماعات العامة”، دون أن يحدد استثناءات على التمتع بهذا الحق، وهو ما ينطبق على هذه الواقعة تمامًا؛ لأنهم في مهمة رسمية كصحفيين.

أمرت النيابة بحبس حامد البربري – زميل “عبدالرؤوف” والمعتدي عليه أيضًا والمحتجز بالمستشفى آنذاك – 4 أيام على ذمة التحقيقات بتهمة حيازة أسلحة, فيما جاء بيان القوات المسلحة خاليًا من الإشارة إلى وجود أسلحة, بينما تم إحالة قضية مقتل تامر عبد الرؤوف إلى النيابة العسكرية، التي أخلت سبيل “البربري”، بتاريخ 22 أغسطس 2013.

وضمت النيابة العسكرية محضر الواقعة، الذي حمل رقم 27 أحوال لسنة 2013، إلى التحقيقات التي تجريها، وكذلك إرفاق مذكرة تحريات المباحث الخاصة بالواقعة مع استعجال قسم الأدلة الجنائية؛ لإيداع تقريره المفصل عن المضبوطات في الحادث، فيما قال محمد بهنسي، عضو لجنة الدفاع عن الزميل حامد البربري، إن النيابة العسكرية سوف تستمع إلى باقى شهود الواقعة في إطار التحقيقات التي تجريها فى ملابسات الحادث، ثم أصبحت تحقيقات الواقعة في طي الكتمان.

جاءت الموافقة على طلب نقابة الصحفيين رقم 1340 في 20 سبتمبر 2015، بضم تامر عبد الرؤوف إلى سجل الشهداء المقيدين بالمجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين، وصرف معاش استثنائي لأسرته.

5ـ ميادة أشرف

استشهدت أثناء تغطيتها لأحداث مسيرة لأنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي بمنطقة عين شمس، يوم 28 مارس 2014، وتم فتح التحقيقات ولا تزال الدعوى سارية ضد 48 متهمًا، بتولي قيادة في جماعة إرهابية وإمدادها بالمعونات المادية والأسلحة والقتل العمد والشروع فيه، وتنظيم تجمهر بمنطقة عين شمس، وإطلاق الأعيرة النارية صوب المواطنين والإعلاميين الرافضين لتجمهرهم وقوات الشرطة، وفي آخر جلسة جاء القرار بالتأجيل ليوم 28 نوفمبر 2016، في القضية 355\2014 عين شمس.

ويؤكد الصحفيون ان جميع المتهمين في االقضية كانوا معتقلين قبل حدوث الواقعة!!

ثالثًا: ضحايا أحداث فض رابعة

توجد دعوى قضائية حول أحداث فض اعتصام رابعة العدوية، وبموجبها تم توجيه اتهامات بالقتل لعدد من المدنيين ضد مدنيين؛ إذ يأتي على رأس المتهمين فيها عدد من قيادات جماعة الإخوان، من بينهم محمد بديع المرشد العام للجماعة، وأسامة محمد مرسي نجل الرئيس الأسبق محمد مرسي، إضافة إلى المصور الصحفي محمود أبوزيد الشهير بـ”شوكان”، ولكنها لم تشتمل على أسماء الصحفيين المقتولين في تلك الأحداث، وذلك في القضية رقم 34150 لسنة 2015 جنايات أول مدينة نصر، والمقيدة برقم 2985 لسنة 2015 كلي شرق القاهرة.

1ـ مايك دين

أول صحفي غربي يُقتل أثناء تغطية صحفية في مصر منذ بداية تسجيل المرصد للانتهاكات – منذ بداية أحداث ثورة يناير – وذلك إثر إصابته بطلق ناري من سلاح قناص، خلال تغطية أحداث عملية فض اعتصام رابعة العدوية يوم 14 أغسطس 2013.

2ـ أحمد عبدالجواد

توفي أحمد عبدالجواد عقب إصابته برصاصة في منطقة البطن، أسفرت عن وفاته في اليوم ذاته.

3ـ مصعب الشامي

توفي إثر إصابته بطلق ناري نافذ من مسافة قريبة، أدى إلى مصرعه.

إحصائيات الانتهاكات ضد الصحفيين أثناء تأدية عملهم منذ 3 يوليو 2013 إلى نهاية أكتوبر 2016

ـ الاحتجاز غير القانوني

تم رصد 86 حالة احتجاز غير قانوني لصحفيين أثناء تأدية عملهم، بينما المثير للانتباه أن 78 حالة مما تم رصدها قامت بها جهات أمنية ما بين القوات المسلحة ووزارة الداخلية.

ـ التعدي بالضرب أو إحداث إصابة

تم رصد 395 حالة تعدي بالضرب أو إحداث إصابة، منهم 128 حالة من جهات أمنية بين القوات المسلحة والداخلية، بينما ارتكب المواطنون 199 انتهاكًا.

ـ التعدي بالقول أو التهديد

208 حالة تعدي بالقول أو التهديد منهم 67 حالة قامت بها جهات أو قوات من وزارة الداخلية، فيما جاءت 30 حالة من جهات حكومية ومسؤولون، فضلًا عن 91 حالة من مواطنين.

ـ الاستيلاء على معدات صحفية

تم رصد 63 حالة استيلاء على معدات صحفية، من بينهم 27 حالة من قِبل وزارة الداخلية، و25 حالة من مواطنين.

ـ حرق أو إتلاف معدات صحفية

تم رصد 53 حالة حرق وإتلاف معدات صحفية، من بينهم 18 حالة ارتكبتها وزارة الداخلية، و27 حالة من المواطنين.

ـ اقتحام مقر مؤسسة صحفية

12 حالة اقتحام لمؤسسة صحفية، منهم 10 ارتكبتها وزارة الداخلية، إحداهم واقعة اقتحام لنقابة الصحفيين، في سابقة فريدة من نوعها؛ مما يعتبر انتهاكًا صارخًا للحريات الصحفية، وذلك يخالف قرار مجلس الأمن رقم 1783 الذي نصَّ على “اعتبار المنشآت والمعدات الخاصة بوسائل الإعلام أعيانًا مدنية لا يجوز أن تكون هدفًا لأي هجمات أو أعمال انتقامية”.

تم استبعاد الإحصائيات الخاصة بانتهاكات “التحرش والتعدي بالضرب أو إحداث إصابة داخل مكان الاحتجاز“؛ لأنها حالات لا يزال يتم توثيقها وتحري الدقة فيها  للحفاظ على الشروط المعيارية الخاصة بالمرصد؛ لضمان دقة وموضوعية الرصد، ولكن ذلك لا يعني أن كلاً منهما تدخلان ضمن الانتهاكات الموجودة على أرض الواقع بغزارة؛ إذ تعتبر قليلة الحدوث.

ـ جهات الانتهاك الأبرز

أولًا: الجهات الأمنية

إذا كانت الجهات الأمنية هي الجهة التي ترتكب الانتهاكات بصورة مستمرة ومتكررة وبأشكال مختلفة ضد الصحفيين، كما أوضحنا في تفاصيل الانتهاكات، وذلك على الرغم من أنها الجهة المسؤولة عن حفاظ الأمن وحماية المدنيين؛ سواء كان ذلك في أوقات النزاع المسلح أو الاشتباكات أو في التغطية الإعلامية بشكل عام، وإذا كان هناك ثمة قوانين وتشريعات توجب حماية الصحفيين أثناء تأدية عملهم؛ فإن مَن سيتولى هذه المسؤولية يفترض به أن تكون الجهات الأمنية، وهي نفسها التي ترتكب العدد الأكبر من الانتهاكات بكل صورها، وخصوصًا أنه لا يتم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، والتي ستظل مستمرة لعدم وجود رادع.

لا يمكن استنتاج أي شيء من الانتهاكات المستمرة ضد الصحفيين والتعسف معهم أثناء تأدية عملهم سوى أن الهدف هو التعتيم، أو أدوات مستخدمة لتضييق الخناق على العمل الصحفي وتغطية الأحداث؛ مما يقتص من حق الحصول على المعلومات، وذلك يوضح بجلاء الخصومة بين السلطة والصحافة، وهو أمر يجب التخلص منه إذا أردنا أن نؤسس حياة ديموقراطية سليمة.

ثانيًا: المواطنين

نسبة انتهاكات المواطنين للصحفيين لا يمكن إغفالها، وهذا ينم عن عدم وعي للمواطنين بدور الصحافة وأهميتها في نقل الأحداث، وأن الصحفيين ليسوا أطرافًا في أي خصومة سياسية، وأن عدم رضائهم عن المستوى الإعلامي أو توجه المؤسسة الإعلامية لا يمكنه تبرير الاعتداء عليهم وممارسة الانتهاكات ضدهم، وبالتالي ينم ذلك أيضًا عن عدم احترام المواطنين لحرية الرأي والتعبير، وفي ظل هذه الظروف ليس من الممكن حشد الجهود والتأييد لمنع الانتهاكات ضد الصحفيين؛ إذ يجب أولاً تدشين حملات توعوية حول دور الصحافة وحقوق العاملين بها.

ـ تأثير هذه الانتهاكات على حرية الصحافة

إذا كانت السلطات والجهات الأمنية والمواطنون هم الجهات الأبرز في ممارسة الانتهاكات، فكيف يمكن أن نتحدث عن حرية الصحافة؟! ناهيك عن الممارسات لتخويف الصحفيين من خلال عمليات التقاضي.

من العبث أن نتحدث عن حرية التعبير وحرية الصحافة في وجود هذا الكم من الانتهاكات التي تهدد سلامة الصحفيين الجسدية والمعنوية، وبالطبع يخلَّف أثرًا على حق الحصول على المعلومات ويخل بموضوعية التغطية الإعلامية، وبدوره سيؤثر على وعي المواطنين، وكل ذلك سيخل بجسد الدولة وديموقراطيتها وبأساليب الرقابة والتعامل مع الفساد.

ـ توصيات

أولاً: الصحفيون من الضحايا

يجب على الصحفيين الذين تعرضوا لأي نوع من أنواع الانتهاكات أن يقوموا بتوجيه دعوى جنائية، وعلى أهل الضحية في حالة القتل رفع دعوى جنائية واللجوء إلى المحاكم القارية أو الدولية كاللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، في حال استنفاذ آليات الإنصاف المحلية وعدم تحقيق العدالة؛ لأن من خلالها يمكن تحقيق العدالة على نطاق أوسع، بأحداث تغييرات هيكلية، وليس فقط الحالة الشكوى المنظورة.

ثانيًا: المؤسسات الصحفية

للمؤسسات الصحفية أيضًا دور في حماية الصحفيين، وعليها أن تخصص جزء من ميزانيتها لتوفير وسائل وسبل الحماية المناسبة، وتوفير الدعم القانوني والمالي لأي صحفي يتعرض للسجن، ولأسرته إذا ما تعرض للقتل، وعدم إلزام الصحفيين بالمهام الخطرة التي تحتوي على تهديدات واضحة لا يمكن إغفالها، ومراعاة الفروق بين الجنسين والمخاطر التي قد تتعرض لها الصحفيات بسبب نوعهن.

كما أوضحنا في غير موضع بالتقرير أن سبب رئيسي لحدوث الانتهاكات هو غياب الوعي بأهمية ودور المؤسسات الصحفية، وبالتالي فإن من الممكن أن تساهم المؤسسات الصحفية في تغيير ذلك الوعي وتغيير الخلفية الثقافية لدى المواطنين، بأن الصحفيين ليسوا في خصومة مع أحد وإنما هو دورهم المهني، وعلى المؤسسات أن تبذل المساعي في الضغط على نقابة الصحفيين؛ لبحث مشكلات الصحفيين وإيجاد الحلول لها.

ثالثًا: نقابة الصحفيين

على نقابة الصحفيين أن ترصد الانتهاكات، وتساند حق الصحفيين في حال الاعتداء عليهم، وتتقدم باقتراحات لتحسين أوضاع الصحفيين، وتضع لجنة التشريعات حماية الصحفي من الانتهاكات ضد أولوياتها، وأن تطالب كذلك بتشريعات لحماية قانونية للصحفيين أثناء تأدية عملهم، والمراسلين الصحفيين بالأخص، وكذلك فرض حماية عليهم أثناء تغطية أحداث اشتباكات أو نزاعات، وأن يتم التعامل معهم كمدنيين؛ إذ أن حمايتهم واحترامهم على هذا الأساس تشترط عدم مشاركتهم في أي عمل يؤثر على وضعهم كمدنيين، والأهم وجود جزاءات وعقوبات على مَن يخالف تلك التشريعات ويمارس انتهاك بأي من أشكاله ضد الصحفيين.

كما أن وجود تشريعات لا يمكن أن يحقق كامل الحماية أو الضمان للحقوق والحريات الصحفية أو حماية الصحفيين، والأهم من وجود تشريع هو وجود وعي بأهمية وقيمة ودور الصحافة، ووجود إرادة جماعية تساعد الصحافة على تأدية عملها، ووعي يوقف عمليات الانتهاكات المستمرة التي تعكس العداء بين السلطة والصحافة واعتبار الصحافة خطر يهددها ويهدد الأمن القومي.

وهو ما أدرك أهميته مشروع الإعلان العالمي لحماية الصحفيين في بنده السادس، الذي ينص على “في إطار سعيها لتعزيز مناخ آمن وداعم للصحافيين يُمَكّنهم من أداء عملهم باستقلالية وبدون تدخل غير مبرر، يجب على الدول أن تتبنى وتطبق إجراءات وآليات تشريعية مناسبة لرفع وعي الهيئة القضائية ومنفذي القانون من الشرطة وأفراد الجيش والصحافيين أنفسهم وأفراد المجتمع المدني، بالتزامات وتعهدات القانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان فيما يتعلق بأمن الصحفيين”، ومن ثمَّ فإنه من الممكن للنقابة أن تتولى هذا الدور التوعوي للهيئات القضائية والشرطة وأفراد الجيش.

رابعًا: النيابة العامة

يجب على النيابة العامة أن تقوم بتحريك الدعوى الجنائية لصالح ضحايا الأحداث والاشتباكات.

خامسًا: وزارة الداخلية

يجب على وزارة الداخلية أن تتفهم طبيعة العمل الصحفي، وأن الصحفيين يعدوا مدنيين في أحداث الاشتباكات، وعلى قوات الأمن تأمينهم وليست ملاحقتهم ومنعهم من التغطية والتعدي عليهم؛ إذ أنهم ليسوا أطراف في المعادلة السياسة ولكنهم وسائل إعلامية تسعى لنقل الصورة والمعلومات إلى المواطنين، ودورها في تأمين المدنيين يدخل في نطاق تأمين الصحفيين، ومن ثمَّ فإنه من الواجب إطلاق برامج توعوية بأهمية الصحافة وتأمين الصحفيين لنزع ثقافة الخصومة والعداء.

سادسًا: المشرع المصري (البرلمان المصري)

ـ يجب على المُشرع المصري أن يعيد تعريف الصحفي؛ إذ أن الصحفي في القانون رقم 76 لسنة 1970، هو المقيد بنقابة الصحفيين، ولكي يتم تقييد الصحفي بأحد الجداول في نقابة الصحفيين لابد أن يمر ثلاثة شهور على تحرير عقد العمل، وبالتالي فإن ممارس المهنة خلال أول ثلاثة شهور لا يُعد صحفي، وطبيعة عمل الصحفي محفوفة بالمخاطر والأكثر تحديدًا هو مهنة المراسل الصحفي؛ الذي يقوم بتغطية الأخبار الخارجية، ومن ثمَّ فإنه إذا أصابته أي من أخطار المهنة؛ فإنه لا يعد صحفيًا ولا يتمتع بالحماية أو بالحقوق الخاصة بالصحفي؛ لذا يجب على المشرع أن يعيد تعريف الصحفي ضمانًا وحمايةً له.

من المؤسف أن يكون مشروع القانون الموحد الذي يقوم البرلمان مناقشته الآن، لا زال يُعرِّف الصحفي بأنه المنتسب إلى نقابة الصحفيين.

ـ إجراء تحقيقات محايدة وسريعة بشأن ضحايا الصحافة، والتأكد من إنزال العقاب والجزاء على مرتكبيها، والتأكد من حصول الضحايا وأسرهم على التعويضات المناسبة.

ـ بحث آليات لعقاب مرتكبي الجرائم والانتهاكات من وزارة الداخلية، وبحث كيفية الحد من هذه الانتهاكات وطرق التوعية والعقاب المناسبة للحد من هذه الظاهرة.

*منقول حرفيا من موقع “صحفيون ضد التعذيب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق