كارم يحيى يكتب: محمود السقا «أرجل مني ومنك»

صب زميل بالأهرام أقدره جام غضبه على محمود السقا. قال ـ وكنا ثلاثة في غرفة مغلقة ـ أن محمود “عيل” يستحق الحبس لأنه يسب في السيسي والدولة والجيش، ولأنه ذهب للاختباء في نقابة الصحفيين وهو ليس عضوا بها بعد، وجلب عليها اقتحام الأمن.

في مصر ومنذ زمن لم تعد هناك غرفا مغلقة تصون الحوارات الخاصة ولا الأسرار في أماكن العمل، وربما في البيوت أيضاً، لكن ليست هذه هي المشكلة، ولا المشكلة حتى في أن الزميل عمرو بدر رئيس تحرير موقع “بوابة يناير” كان مع زميله الأصغر سناً “السقا” في النقابة حين جرى اقتحامها واختطافهما. وهما الآن قيد حبس لا نعرف على أي وجه يجرى ووفق أي شروط.محمود السقا صحفي

فالنقيب وأعضاء مجلس النقابة ممنوعون من زيارة الزملاء المحبوسين كافة. وهذا في سابقة لم يعرفها العمل النقابي حتى منذ مصر الملكية ومع تأسيس النقابة عام 1941. كما أنهما معاً (عمرو ومحمود) وقضيتهما تحت حصار حظر النشر بمقتضى قرار النائب العام.

والحقيقة انني قررت مع كامل التضامن مع العزيز جداً عمرو بدر ألا اتحدث اليوم إلا عن محمود السقا، وربما لأن كلمة “عيل”، استفزتني، ولأنها نبهتنى الى ان السقا هو على الأرجح الأصغر عمراً بين الصحفيين المصريين المحبوسين في سجون السيسي. ويبلغ عددهم في هذه اللحظة 27 زميلاً صحفياً من مختلف الصحف والإتجاهات، وهو رقم مفزع يتوج حقيقة تدهور أحوال حرية الصحافة في بلادنا ومأساة كون مصر أصبحت ثاني دولة في حبس الصحفيين بعد الصين بتعدادها الذي يجاوز المليار.

سألت زميلي الحانق علي محمود السقا: وهل تعرفه؟، فنفى. كما تبين لى انه لم يقرأ له حرفا واحدا. لا في موقع الصحيفة الألكترونية التي يتدرب ويعمل بها وهو طالب جامعي ولا في صفحات الفيس بوك. وأدهشني أكثر ان زميلنا الحانق لم يقرأ حتى مقال الزميل عبدالجليل الشرنوبي المنشور في جريدته “الأهرام” عن لجوئه في مواجهة ظروف مشابهة من مداهمة منزله فجرا وقرار الضبط والإحضار الى النقابة لشهر ونصف الشهر عندما كان مكرم محمد أحمد نقيبا للصحفيين وكان هو رئيسا لتحرير موقع “إخوان أون لاين” ومسئولاً في الجماعة زمن مبارك.

ولذا نصحت زميلي الذي أقدره بأن يقرأ هذا المقال المنشور في الأهرام عدد 3 مايو 2016، ونصحت نفسي معه ان أبحث على شبكة الانترنت عما كتبه محمود السقا أو جرى كتابته عنه. وأعترف انه كان عندي دافع اضافي وراء هذه النصيحة، وعلى الأقل فيما يخصني، فقد كان لي حظ لقاء محمود السقا مرتين عندما جاء معتصماً مع عمرو بدر يومي 30 ابريل و1 مايو.

وجمعنا حوار عابر قبل ساعات من اقتحام النقابة واختطاف الزميلين علمت منه أنه كان معتقلاً لنحو ثلاثة اشهر وخرج في شهر مارس الماضي فقط، وأنه تعرض لتعذيب بشع على أيدي زبانية أمن الدولة (ما يسمي بالأمن الوطني حالياً).

محمود السقا على صفحات “الأهرام” يظهر في خبر بصفحة الحوادث بتاريخ 23 أكتوبر 2015 عن قرار لمحكمة الأمور المستعجلة في دعوى رفعها محامي لم يأت ذكر لاسمه، عنوان الخبر: “حظر حركة بداية ومصادرة مقارها داخل مصر”. ومحمود في الخبر مؤسس الحركة، والمحامي المجهول قدم صوراً من كتاباته. وحقيقة بعد سؤال وتقص لم أستدل على ماهي حركة “بداية”، ولم يكن ولن يكون بالامكان تخيل ان لها ولو مقر واحد لاداخل مصر ولاخارجها.

محمود السقا بالبحث في الموقع الالكتروني لنقابة الصحفيين المصريين يظهر مرتين قبل اقتحام مقر النقابة في الأول من مايو 2016، الأولى في 2 يناير 2016 موضوعاً لبلاغ الى النائب العام حول اختفائه قسرياً، وحيث تطالب النقابة بالكشف عن مكانه وباخلاء سبيله، والثانية في 23 إبريل أي بعد بيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية وقبل يومين من يوم تحرير سيناء، وهذا ضمن بيان للنقابة يدين عمليات القبض العشوائي وعودة زوار الفجر ومداهمة المنازل دون سند من قانون، وهنا يرد كذلك اسم زميله وزميلنا عمرو بدر.

محمود السقا من كتاباته المنشورة في بوابة “يناير” عن تجربة اختفائه قسرياً وحبسه واستجوابه وتعذيبه اعتباراً من 30 ديسمبر 2015 يتضح لمن لا يعرفه عن قرب منذ زمن كحالي أنه شاب من مؤسسي حركة تمرد التي أطاحت بحكم الإخوان. ويروى عن حفلة تعذيبه واستجوابه في مقر أمن الدولة بمدينة السادس من أكتوبر. وحين سأله المحقق المعذب حانقاً: لماذا تمردت على تمرد؟ يجيب: “أنا ما فيش حاجة اسمها قررت التمرد يافندم. أنا شاركت في حركة تمرد وفي 30يونيو (عام 2013) عشان انتخابات رئاسية مبكرة، وعشان نعدل مسار 25 يناير اللي اتسرق مش علشان العسكر يركبوها. وبمجرد انتهاء 30 يونيو تمرد انتهت بالنسبة لي، وخرجت منها، وقررت ان استمر في عملي الصحفي وأخدم الثورة”.

محمود السقا كما يظهر من شهادته على اختطافة قسرياً لأربعة ايام ثم حبسه واستجوابه وتعذيبه قبل نحو أربعة أشهر، كان متهماً بالدعوة للتظاهر في ذكرى ثورة 25 يناير وبتأسيس حركة أخرى تظهر بأسماء مختلفة في اكثر من مصدر، وفي كل هذه المرات لا تسمي “بداية” كما على صفحات الأهرام قبل أقل من سبعة اشهر.

وقال انه في اثناء الاستجواب بأمن الدولة هددوه بالقتل أكثر من مرة، ولو أن في مصر سلطات تحقيق بحق ومحايدة بحق لحققت مع خاطفيه وسجانيه ومعذبيه فيما كتب، وهذا بدلا من قرارات الحبس في سيل الاتهامات الملفقة المتناقضة لأمثاله من الصحفيين والمواطنين والشباب.

محمود السقا كما يبدو لي اختار بين مصائر متعددة انتهى اليها الشباب مؤسسو حركة “تمرد”، إما نعيم وبزنس السلطة المشمول بالمناصب والأموال واضواء إعلام الدولة ورجال الأعمال، وإما الانزواء والصمت دهشة وندما على ما وصلت اليه أحوال البلاد بعد 30 يونيو/ 3يوليو 2013، وإما الاستمرار في رفع الصوت إخلاصاً لثورة 25 يناير، وفي حالة السقا فإن الاخلاص تترجمه بالأساس الكتابة والعمل الصحفي.

محمود السقا شاهد بالتجربة واللحم والدم والألم على الاختفاء القسري والتعذيب والقتل في سجون السيسي، لذا نشر في بوابة يناير بتاريخ 3 ابريل 2016 وقبل أقل من شهر واحد من اقتحام النقابة واختطافه مع الزميل عمرو بدر دليل ادانة لسلطات الدولة كافة بعنوان: “لماذا أصدق أن ريجيني قتلته أجهزة في الدولة؟”.

محمود السقا ومعه عمرو بدر رئيس التحرير الشجاع الذي نشر هذه الشهادات عن الاختفاء القسري والتعذيب وتلفيق التهم يدفعان ثمن قول الحقيقة والجهر بأن تيران وصنافير مصرية، وهذا بعدما أصبح من المستحيل أو شبه المستحيل أن أنشر أو أي من زملائي في صحيفة كالأهرام هذه الحقيقة الجغرافية التاريخية البسيطة الواضحة وضوح الشمس.

محمود السقا، وفي بلد كمصر أصبحت الاتهامات تصدر من أمن الدولة باسم النيابة العامة بالجملة، ستجده يوماً في البيانات الرسمية الصادرة من النائب العام الذي لا يهتم ببلاغات النقابة ولا المظلومين ولا يسمح لها بزيارة الزملاء المحبوسين متهما بتأسيس أكثر من حركة وبأكثر من اسم، لكن احدا كان في البيانات والصحف الرسمية سيذكر انه من شباب ومؤسسي حركة “تمرد” والتي لم تحصل يوما على تصريح قانوني، وستجده دوما متهما بالاعتراض والتحريض بالكتابة والنشر.

محمود السقا خرج بعد تجربة قاسية في الحبس والتعذيب ليقول كلمته، ويروى ما حدث معه ومع جيله. لذا لا أملك إلا أن أقول لزميلي الذي أقدره واحبه: “محمود السقا أرجل مني ومنك.. إحنا اللي عيال”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق