أسئلة في الصحافة والمجالس

عبدالناصر سلامة
هل يجوز توقيع عقوبة على أي متهم دون التحقيق معه، كما حدث من المجلس الأعلى للإعلام تجاه (المصري اليوم)؟ هل يجوز تلقي الشكوى اليوم ثم إصدار العقوبة في اليوم التالي دون بحث أو دراسة للموضوع خلال وقت يتناسب مع حجم الحدث، (وحجم الحشد)، وحجم التغطية الإعلامية المصاحبة له؟ هل يجوز للمجلس الأعلى للإعلام إصدار أوامر إلى نقابة الصحفيين بالتحقيق مع هذا أو عقاب ذاك؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فما الداعي لوجود النقابة؟ كان يمكن للمجلس أن يفعل ذلك وحده، ذلك أن المجلس في هذه الحالة يمكن أن يؤدي دورها، وإذا كانت الإجابة بلا، فلماذا الصمت من النقابة على ما يجري؟.

ماهو دور الهيئة الوطنية للصحافة وسط كل ذلك؟ وما هو الدور المنوط بالمجلس الأعلى للإعلام إذا كان الموضوع محل التحقيق قد أحيل إلى النيابة العامة أو نيابة أمن الدولة العليا؟ كيف ستتعامل نقابة الصحفيين مع مثل هذا الوضع إذا كان عليها بحكم واجباتها المنصوص عليها أن تقف مع أعضائها، تحميهم وتدافع عنهم، بل وتدافع عن المهنة وعن حرية الرأي؟ إذا كانت هذه المجالس والهيئات الإعلامية قد اتخذت موقفاً مناوئاً كما هو واضح لحرية الرأي والتعبير، أو لوسائل الإعلام عموماً، مما يجعلها خصماً وليست حكماً، ألا يصبح من الطبيعي الطعن على كل قراراتها أمام القضاء؟ ذاك أنها قرارات إدارية في نهاية الأمر.
إذا كان الدور الحقيقي لهذه المجالس والهيئات هو النهوض بالمهنة، أو هكذا يجب أن يكون، فقد تحولت إلى مجالس من نوع آخر، استعداء وسائل الإعلام، حرمان القارئ والمشاهد من الحصول على الخبر كما هو دون تدليس، فرض غرامات باهظة على الصحف والتليفزيونات والمواقع الإلكترونية، الصمت على غلق عشرات المواقع الإخبارية أيضاً دون تحقيقات مسبقة أو دون إعلان أسباب واضحة حول كل موقع على حدة، ألا يتطلب ذلك الدعوة إلى إعادة تشكيل هذه المجالس والهيئات بعقلية جديدة تتناسب مع التطور الإعلامي الحاصل في العالم؟.

إذا كان الحديث الآن يدور حول تعديل الدستور لأسباب عديدة، من بينها مدة رئيس الجمهورية، وتعيين وإقالة وزير الدفاع، وتشكيل البرلمان، وغير ذلك من نصوص، أليس بالأولى إعادة النظر في وجود هذه الهيئات الإعلامية التي بدا أنها تتضارب في اختصاصاتها مع نقابتي الصحفيين والإعلاميين؟، وقد بدا هذا التضارب واضحاً منذ اللحظة الأولى لتشكيلها وحتى الآن، ألا يجب أن تعترف هذه الهيئات بأنها أخفقت في الدور الوحيد الذي قامت به، وهو تعيين القيادات الصحفية والإعلامية بالصحف الحكومية وتليفزيونات ماسبيرو؟ والدليل على ذلك هو حالة التردي الصحفي والتليفزيوني التي نعيشها الآن.

ألا يجب على نقابة الصحفيين أن تنتفض من أجل المهنة لإنقاذ ما تبقى منها، واتخاذ موقف يحمي أبنائها من بطش هذه الهيئات التي بدا جاءت لأهداف أخرى تتناقض تماماً مع أهداف النقابة، التي كانت منذ إنشائها منبراً حراً ينحاز إلى الأعضاء وغير الأعضاء من حملة القلم؟ وهو الأمر الذي يوجب الدعوة إلى عقد اجتماع فوري لوضح حد لهذه التدخلات في شئون المهنة وأعضائها، وليس التحقيق معهم في أمور دون المستوى.

ما هو رأي نقابة الصحفيين في الأزمة الحالية، التي تسببت فيها كلمة (حشد)، وكأننا أمام كلمة قبيحة مثلاً، على الرغم من أن العديد من المسئولين استخدموها قبل وخلال العملية الانتخابية في إطار الدعوة إلى الانتخابات؟ وإذا عُدنا لأعداد الصحف خلال أي انتخابات سابقة، سوف نكتشف أن هذه الكلمة كانت الأكثر استخداماً من المسئولين ومن الصحافة على حد سواء، فيما بدا أن ما يجري الآن ينطلق من (ذبح القطة) لما هو قادم في المستقبل.

أما فيما يتعلق بفيديو التصويت، أعتقد أن أهم نجاحات العمل الصحفي على الإطلاق هو الانفراد، وقد كان الفيديو بمثابة انفراد يجب أن يكافأ عليه من قام بتصويره، خاصة أن عملية التصويت عموماً يبدو أنها كانت منفتحة إلى حد كبير، بدليل غزارة صور ورق التصويت على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء خلال مرحلة التصويت أو مرحلة الفرز، وخاصة الأصوات الباطلة منها، السؤال أيضاً: هل يمكن تصوير أحد المرشحين داخل لجنة الانتخابات دون الحصول على إذن القائمين على اللجنة، بل وإذنه هو شخصياً؟.
ألا يجب أن نعترف أننا أمام قضية غريبة الشكل والمضمون، تهدف إلى إرهاب المراسلين في المحافظات وغيرهم، من نقل ما يشاهدونه على الطبيعة، والتعامل معه بتصرف أمني وسياسي، في تناقض واضح مع ما تعلموه ودرسوه؟ وهو الأمر الذي سوف يقضي على البقية الباقية من الصحف الورقية، ويفقدها ما تبقى أيضاً من مصداقية، مما كان يوجب على كل الصحف التضامن مع بعضها البعض في مواجهة هذه الحالة الغريبة والدخيلة على المهنة والجماعة الصحفية، خاصة إذا علمنا أن العقوبة التي تم توقيعها على موقع “مصر العربية” هي الأخرى، تعد دليلاً قاطعاً على ذلك الاتجاه الذي سوف يسفر في نهاية الأمر عن وجود مواطن جاهل، لا يعي حتى ما يدور في العالم بشأن وطنه.

لماذا لم يتساءل هؤلاء وأولئك عن سبب هروب المواطن إلى المواقع الإلكترونية التي تبث من الخارج، للاطلاع على أخبار وطنه بالداخل؟ ولماذا هذا الإقبال المنقطع النظير على مشاهدة القنوات التليفزيونية التي تبث من خارج مصر أيضاً؟ ألا يُعد ذلك فشلاً لوسائل إعلام الداخل من صحافة وتليفزيون، وفشلاً ذريعاً أيضاً لهذه الإدارة الممثلة في الهيئات والمجالس، والتي لم تستطع التعامل مع الحالة سوى بالأساليب الأمنية، وفرض العقوبات المالية؟ ألم يفكر هؤلاء في مصير الإعلام المصري عموماً في حال ما إذا استمر هذا الوضع بهذه الممارسات، التي وصلت إلى حد طرد المراسلين الأجانب، والاعتراض تلو الآخر على التناول الإعلامي في الخارج للشأن المصري؟.

أعتقد أن الإعلام المصري الآن يعيش أسوأ حالاته على الإطلاق، وبدلاً من أن نعمل على النهوض به لانتشاله من كبوته، أصبحنا نضع المزيد من العقبات، وهو ما يؤكد أن هذه الجهات المشار إليها هي التي يجب أن تخضع للتحقيق والعقوبات في آن واحد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق