بشير العدل يكتب: أزمة الصحافة والإعلام فى مصر

لا أبالغ إذا قلت، وهو قول الصدق عندى، إن الصحافة، ومعها الإعلام عموما، فى بلادى مصر، تعانى أزمة غير مسبوقة فى تاريخها المعاصر، وتتعرض لنكبات قد تنسف كل جهود الإصلاح السابقة، وتعود بها إلى بيت الطاعة، وإن شئت قل دار العصيان.
ولست متشائما إذا قلت إنه لا أمل فى إصلاح أوضاع الصحافة فى بلادي مصر، على الأقل فى الأجل القصير، والعودة بها إلى الدور الذي لعبته عبر تاريخها الطويل، سواء كان ذلك الدور مرتبطا بأبناء المهنة والارتقاء بأوضاعهم، فى الحقوق والواجبات.
فهناك مظاهر تقول إن هناك نية اغتيال للصحافة مع سبق الإصرار والترصد، وإن كان البعض يرى فيها محاولة لإعادة الإحياء، فما تتعرض له نقابة الصحفيين، وما يواجهه أعضاؤها، والأوضاع التى آلت إليها المهنة عموما، وحالة الانقسام الواضحة بين الجماعة الصحفية، حول الأداء الصحفى والنقابى، كفيلة بتشخيص الحالة الحقيقية التى تمر بها الصحافة.
وإذا ما أضفنا إلى ما سبق التشريعات المنتظرة، والمرتبطة بالصحافة والإعلام، والتدقيق فيها، بجانب عملية التحول الواضحة فى ملكية الصحف ووسائل الإعلام المختلفة وكيف أنها تتجه إلى سيطرة رأس المال الخاص، تتضح الصورة الكاملة لعملية الاغتيال التى يريد تنفيذها البعض.
وإذا كان الهدف واضحا فإن الأسباب تباينت، والمسميات اختلفت، فهناك من يرى أن ما تتعرض له الصحافة عملية اغتيال بمعنى النسف من الوجود، وهناك من يرى بأنها تنكيس للصحافة، غير أنه يبقى الاتفاق على أن الوضع الحالى للصحافة والإعلام، لا ينال الرضا الكامل، وأن هناك استهدافا من أطراف مختلفة، والكل فى الحقيقة يسيء إلى المهنة وهو يحسب أنه يحسن صنعا.
وحتى لا ندفن رؤوسنا فى الرمال، فإن معرفة بعض أسباب المشكلة قد يؤدى إلى حلها، وتغيير النتيجة التى وصل إليها البعض من ضرورة تنكيس الصحافة.
وعندى أن السبب الحقيقى للأزمة الحالية هو السعى وراء المصالح الخاصة، التي غلبت على سلوك الكثيرين فى بلادي مصر، خاصة بعد أحداث يناير من العام 2011 التى مثلت نقطة تحول فى التاريخ المصرى، غير أنه تحول إلى العوامل السلبية، ومنها المتاجرة بهموم الوطن، والسعى وراء اقتناص الفرص، بغض النظر عن القيم والمبادئ، ومصلحة المهنة أو حتى الوطن.
كانت النتيجة أن سيطرت شهوة المال من ناحية، وسيطرته من ناحية أخرى، على العمل الصحفى والإعلامى عموما، فهناك من يريد أن يتكسب المال، من فئة الساعين إلى الطفو على السطح، وهم الذين يدعون معرفة وخبرة و علما بالصحافة وبالإعلام، وهناك من يريد تعظيم المال، من فئة رجال الأعمال، الذين تحكمهم مصالحهم الاقتصادية، والكل تتحكم به المصلحة الخاصة على حساب المعايير المهنية. وعلى الجانب الآخر تعانى الدولة ظروفا استثنائية، وتتضرر مصالح الوطن، بسبب الفوضى الصحفية والإعلامية، فكانت النتيجة أن تدفع الصحافة ومعها الإعلام الضريبة، ليلفظها المجتمع فى النهاية، ويتحول أبناؤها في نظر البعض وعلى غير الحقيقة ضد الدولة.
أزمة الصحافة الإعلام فى بلادي مصر، هى أزمة ضمير وأخلاق ونيات سيئة، قبل أن تكون أزمة أداء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

إغلاق